مدنين.. نساء “الكروفات” وزيت الزيتون, منسيات في قطاع غابت عنه الأولويات

ولاية مدنين هي ولاية سياحية وتجارية ولكن أيضا ولاية فلاحية بامتياز بفلاحتها البحرية والبرية. تعتمد هذه الأخيرة على غراسة الزياتين بحوالي 45 مليون شجرة على مساحة تقارب نصف مساحة الولاية وتزود السوق التونسية سنويا بحوالي 35 ألف طن من الزيت من جملة الإنتاج الوطني والتي تقدر سنويا بحوالي 160 ألف طن.  ويتطلب جمع الصابة موسميا على مستوى الجهة حوالي 10 آلاف موطن شغل 80% منها من اليد العاملة النسائية ويتقاضين أجرا أقل ب 20 % من نظرائهن من الرجال.

وعلى طول شريط مدنين الساحلي، تتمركز 8 مواني صيد بحري أهمها ميناء الكتف ببنقردان وميناء جرجيس، وبدرجة أقل منهما ميناء بوغرارة يتم عبرها إنتاج 550 طن من الرخويات – السوبيا والقرنيط وجراد البحر – الكروفات، يقع تصدير حوالي 2500 طن منها سنويا. ويشغل الصيد البحري بمدنين حوالي 10 آلاف يد عاملة، تغيب المرأة عن جل اختصاصاته ما عدى جمع المحار على مستوى بحيرة بوغرارة وسيدي مخلوف.

هذا المشهد الرجالي على مستوى الصيد البحري والنسائي على مستوى العمل بالساعد في جمع الزيتون، خلق مجموعة من المفارقات منها ما يتعلق بأوضاعهن الهشة ومنها ما يتعلق بعملهن الموسمي. عاملات موسميات قدر عددهن ما بين 7 و8 آلاف عاملة بمختلف الأنشطة الفلاحية.

حقوق ضائعة … وحلول غائبة

مع شروق الشمس، وأحيانا قبله، تنطلق هؤلاء النسوة من مختلف الأعمار، إلى غابات الزياتين بمدنين ليعدن ساعة غروبها أو ما بعدها.على متن شاحنات وجرارت فلاحية على مسافات مختلفة في وضعيات تهدد حياتهن  يقبلن على الصابة لجنييها أيا كانت الظروف المناخية. فمناخ مدنين يتسم بارتفاع درجات الحرارة في فترات وبالبرد القارس والرياح الشتوية القاسية فترات أخرى. يسعين إلى لقمة عيش بأجر يومي لا يتجاوز 8 دنانير وهو نصف الأجر الفلاحي المضمون والمقدر ب 16 د يوميا، إضافة إلى عدم احترام المشغل لساعات العمل بالقطاع الفلاحي. فغالبا ما يتجاوزن الساعات التي تحددها اتفاقية  المساواة في الأجور بتاريخ 29 جوان 1951 فقد جاءت هذه الاتفاقية لاعتماد مبدأ مساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل. ودعت  إلى تحديد معدلات الأجور، وتطبيق مبدأ مساواة العمال والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل. كما حثت على اتخاذ الإجراءات القانونية والتنظيمية والإدارية اللازمة لتطبيق هذا المبدأ بموجب القانون عدد 21 لسنة 1968 . القانون التونسي بدوره حدد ساعات العمل في القطاع الفلاحي المسموح بها بتسع ساعات يوميا كما جاء في مجلة الشغل التي تؤكد على أن عدد ساعات العمل بالمؤسسات الفلاحية محدد ب 2700 ساعة عمل في السنة باعتبار ثلاث مائة يوم عمل وتقر بحق تمتع العملة من الجنسين بيوم راحة تعتبر راحة أسبوعية.

عاملات منسيات ضمن قطاع غابت عنه الأولويات

فئة أخرى من النساء، في ذات توقيت الفجر، يراها الناظر في شكل سرب بشري متجهات نحو الشواطئ لجمع المحار بمنطقة سيدي مخلوف وبوغرارة. يقصد السرب الشاطئ لتنتشر كل واحدة منهن في اتجاه، منحنيات كامل اليوم، ينبشن الأرض يقتفين آثار الصيد، دون أدنى حماية. الظهر مقوس والريح تزفر في أجنابهن. سلاحهن الوحيد ملقاط وإناء، وبعض من الأغاني التي يرددنها ليتناسين تعبهن وما ينتظرهن ممن يعرف “بالسمسار” وأيضا الوسطاء الذين يتحكمون في أسعار المنتوج واحتكاره.  فهن لا دراية لهن حسب سهام ناجي عضو المكتب الجهوي للمرأة العاملة بمدنين لا بالتسويق ولا مسالكه ولا حتى أسعاره في السوق في انتظار برنامج عمل تكوينهن الذي يعده حاليا المكتب كما أكدت. وتبقى معاناة العاملات مع الوسطاء والسمسارة أكبر إشكال، حيث يتم اقتناء الكيلو واحد من المحار بنص سعره الحقيقي، لنجده بعدها بالأسواق  بسعر يتجاوز40 دينار في أغلب الأحيان.

لا تختلف وضعية نساء القطاع الفلاحي بولاية مدنين، عن وضعية قرابة 450 ألف امرأة عاملة بالقطاع الفلاحي بمختلف المدن التونسية. فهن يعشن وضعيات هشة لا تراعى خلالها المخاطر المحدقة بصحة العاملات جراء حوادث الشغل أو جراء مخلفات الأدوية الكمياوية المستعملة في القطاع الفلاحي. تجاوزات تتم وسط استغلال متعدد الأبعاد في ظل غياب أجهزة الدولة وغياب جدي للرقابة هذه الوضعيات التي تهمش حقوق النساء العاملات بحسب دراسة ميدانيةٍ حول المرأة الريفية، أعدّها الاتحاد العام التونسي للشغل  منذ حوالي السنتين.

المهندسة سهام ناجي رئيس مصلحة بدائرة الإنتاج النباتي بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بمدنين وعضو بالمكتب الجهوي للمرأة العاملة بمدنين ،تؤكد أن  لا خيار اليوم أمام  الحكومة،  إلا  الإسراع بإصدار قانون يحمي المرأة العاملة وخاصة العاملة بالقطاع الفلاحي اجتماعيا وإدراج القوانين  التي أتى  بها الدستور بمجلة الشغل. فمجلة الشغل وإن أتت غير مميزة فيما بين الرجال والنساء، إلا أنها لم تتضمن بنودا خاصة بوضعيات  المرأة خصوصا أنها الفاعل الرئيس فيها ولا تحديد إجراءات خاصة بالعملة الموسميين في الفلاحة التي تعد المرأة النسبة الأكبر.

وتضيف المهندسة سهام ضرورة تفعيل الدستور وترجمته إلى قوانين وإجراءات لتمتيع المرأة بكامل حقوقها المهنية وأولها المعادلة على مستوى الأجر والتأمين والتغطية الاجتماعية وساعات العمل. فالفصل 21و23 من الدستور التونسي بالباب الثاني حول الحقوق والحريات حيث جاء فيه أن المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وأن الدولة تحمي كرامة الذات البشرية. كما  تحدث الفصل 40 منه لكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل يصون ويحفظ كرامة الجميع. أضف إلى ذلك تعريف العنف الذي ورد في القانون الإطاري للعنف والذي تضمن لأول مرة “العنف السياسي” والذي يمكن أن يشمل غض نظر الدولة عن مثل هكذا وضعيات تنتهك من خلالها كرامة المرأة وحقوقها.

وعن الوضع الفلاحي بصفة عامة، أفادت رئيس دائرة الإنتاج النباتي بالمندوبية لجهوية للفلاحة بمدنين أنه على الدولة النهوض بالقطاع ومراجعة القوانين والتركيز على تدعيم البحث العلمي الفلاحي، بفتح الأبواب أمام الباحثين إلى جانب الإسراع بإصدار مجلة المياه الجديدة الخاصة بالثروة المائية مع إعادة هيكلة مراكز البحوث العلمية الفلاحية والعمل على تحسين جودة البذور الخاصة بالزراعات الكبرى. وفي هذا الجانب يمكن الاستعانة ببحوث معهد المناطق القاحلة بمدنين  والذي تتلخص مهامه في القيام بالبحوث في تنمية القطاع الفلاحي و الإحاطة الفنية وبالفنيين والباحثين المختصين بالمجال الفلاحي بمختلف أنواعه.

هذه الترسانة من الحقوق، إضافة إلى أسبقية تونس في ضمان حقوق المرأة على المستوى التشريعي، تستوجب اليوم، وقفة تقييم من الفاعلين في المجال، خاصة لجهة آليات التفعيل. فالحقوق لا زالت تنتهك بالجملة في ظل غياب تام للدولة و الجهة المسؤولة عن إهمال هذه الحقوق وتفعيل هذه التشريعات ومحدودية اهتمام منظمات المجتمع المدني والنقابات المعنية بهذا القطاع غير المنظم.

بواسطة
العوني لعجيل - تونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق