افاق جديدة للدراما في ليبيا

سباق رمضاني محموم بين صناع الدراما في ليبيا, حيث شاهدنا هذا العام عددا من الاعمال الدرامية القوية.
متطلبات المشاهد الليبي اصبحت كبيرة مؤخرا خصوصا بعد متابعة الاعمال على منصات المشاهدة في العالم.
حيث اصبح المشاهد هو الناقد, ومن غير المسموح تقديم عمل لا يليق بعين المشاهد المتشبع بالاعمال الدرامية الغربية والعربية الاخرى.

الاعمال الليبية هذا العام كانت في المستوى المنتظر سواء في النص والاخراج والصورة والصوت وغيرها من العوامل التي تساهم في نجاح اي عمل كان
مع بعض الهفوات في بعض الاعمال التي لم تؤثر في جمالية العمل اجمالا.
من بين الاعمال التي تم عرضها هذا العام وقد لاقى نجاحا جماهريا هو مسلسل “غسق” وهو مسلسل يروي قصة ملحمة البنيان المرصوص الذي واجه التنظيم الارهابي “داعش” في مدينة سرت الليبية.
ربما العاطفة ساهمت وبشكل كبير نجاح هذا العمل حتى قبل عرضه, ومن اللحظة الاولى نجح صناع هذا العمل بجذب عين المشاهد.
العمل عبارة عن عشر حلقات فقط وهذا الشيء ساهم بشكل مباشر في نجاحه حيث اختار الكاتب الليبي سراج هويدي ان يكون السيناريو متسارع الاداث دون اطالة في القصة واصابة الهدف مباشرة وهو نقل الصورة للبطولات التي قدمها شباب ملحمة البنيان المرصوص ضد داعش ومدى تأثير هذه الاحداث في المجتمع الليبي وخاصة اسر الشهداء, من ناحية اخرى كان طول الحلقة مايقارب ساعة كاملة وهنا ربما كانت نقطة الضعف بالنسبة لي حيث كان من الممكن تقليص بعض الحوارات ليكون تسارع الاحداث بشكل افضل.
الاخراج كان في مستوى عالي من الدقة حيث اهتم المخرج اسامة رزق بأهم التفاصيل لضمان ايصال السيناريو القوي بأفضل صورة.
اهتمام رزق بتقديم افضل صورة للمشاهد جعله يستعين بالكاميرا رقم واحد في العالم “ARRI ALEXA Mini LF” التى اعطت للعمل حسا سنيمائيا.
من جانب اخراختيار الكاستنج كان له تأثير ايجابي للعمل.
استطاع النجوم الشباب في لفت الانتباه والاداء المتميز, بالاضافة لمشاركة ممثلين من المغرب وتونس ومصر وسوريا وغيرها من الجنسيات الاخرى.
ظهور الممثل المغربي ربيع قاطي ليس هو الاول على الشاشة الليبية, حيث شارك العام الماضي في بطولة المسلسل التاريخي الزعيمان بدور المناضل سليمان الباروني, لكن هذه المرة ظهر بدور شخصية الجزراوي وهي شخصية قيادية في تنظيم داعش الارهابي.
عرض هذا العمل اثر في المشاهد الليبي الذي من خلال غسق استرجع فترة من اصعب الفترات التي مرت على ليبيا.

من جهة اخرى استطاع المخرج مؤيد زابطية في لفت الانتباه بعد غياب طويل
عاد وبقوة مع العمل الفنتازي “تخاريف”
تخاريف هو عمل ذو حلقات منفصلة تروي كل منها قصة من قصص الخرفات اليبية بالاضافة لبعض الحلقات التي تروي واقع الصراع السائد في ليبيا بصورة مختلفة.
الاخراج والاداء العالي للممثلين هي اهم ركائز نجاح هذا العمل.
الاهتمام بتفاصيل الصوت والصورة والالوان والملابس والديكور ساهمت بتقديم تجربة مختلفة, وان كانت احيانا هناك مبالغة في استخدام المؤثرات الصوتية.
استمتعنا في هذا العمل بأداء رائع للممثلين وخاصة الشباب وهيب خالد, وطه مرزوق.
لا انسى التجربة الاجتماعية المختلفة في مسلسل “ايام الجور” للمؤلف والمخرج عادل الحاسي, حيث ناقش المسلسل عديد من القضايا المنتشرة في المجتمع الليبي كتفشي الجريمة وزواج القاصرات ومشاكل الميراث, حيث تدور احداث المسلسل داخل احدى القرى في ليبيا التي تقع تحت حكم ظالم من شيخ هذه القرية, نجح المسلسل ببساطته في لفت انتباه المشاهد الليبي, رغم ضعف الانتاج.

“أغرم” المدينة العائمة
لايمكن ان نتجاهل هذا العمل المختلف من نوعه وهو عبارة عن مسلسل قصصي مستوى من الثقافة التارقية تأليف هاشم الزروق واخراج بوبكر زين العابدين
وهو اول عمل فني يتم انتاجه في الجنوب الليبي, ما لفت انتباهي في هذا العمل هو تغيير الصورة النمطية عن الطوارق واظهار جمال مدينة غات والتنوع الثقافي بداخلها.

الحقيقة التجربة الاستثنائية كانت مع المسلسل “زنقة الريح” في موسمه الثاني, الذي اختلف عن موسمه الاول برؤية اخراجية جديدة للمخرج القدير عبدالسلام رزق.
كل عوامل النجاح كانت متوفرة في هذا العمل.
سيناريو عبدالرحمن حقيق كان قاعدة قوية للمسلسل, حيث انفردت قصة الزنقة في موسمها الثاني عن باقي الاعمال, ترابط قوي للشخصيات, توافر عنصر المفاجأة, تسلسل وتسارع الاحداث, جمالية الحوار, كل هذه العناصر جعلت من النص ان يكون اقوى من غيره, وربما هي خبرة حقيق في الكتابة جعلت منه ان يكون الاقوى.

كيف تكون نتيجة ترابط سيناريو قوي مع اخراج ذكي؟
المخرج عبدالسلام رزق بلا شك كان هو مفاجأة هذا الموسم الرمضاني,بعد غيابه الطويل جدا عاد وبقوة ليقول للجميع انني لازلت هنا,كانت رؤيته واضحة .
نقل لنا صورة ليبيا في في اواخر الاربعينيات بشكل ساحر,كان الاخراج اشبه بلوحة فنية منفردة, يمكنك الاستمتاع بمشاهدتها لساعات.
وقد اهتم بزوايا التصوير والالوان والديكور والازياء واظهار الحس الفني في ليبيا حينها. مما ساهم بشكل او بأخر في نجاح العمل.

الكاستنج نجح هذه المرة في استهداف نجوم من ليبيا وتونس قاموا بأداء متميز,حيث استمر الممثل القدير حسن قرفال في نجاحه بأداء شخصية الربي شمعون , بينما كانت الاضافة الاقوى هي الممثل علي الشول الذي قدم دوره بكل سلاسة بعيدا عن المبالغة في الاداء ومن تونس ظهور الممثلة ريم الحمروني اضاف نوعا من الروح المرحة التي نجحت فيها بدور فجرة, هذا ولا يقل اداء كل الممثلين في هذا العمل عن من سبق ذكرهم كمثال.

اللوحات الاستعراضية التي تضمنها العمل اضافت روح النوستالوجيا للمشاهد,سواء الاغاني او العادات والتقاليد في المناسبات الاجتماعية.

ربما زنقة الريح كان هو اكثر عمل مناسب للاجواء الرمضانية على عكس باقي الاعمال التي كانت تحتوي على نسبة عالية من المشاهد العنيفة وغير المناسبة لكل افراد العائلة, مثل هذه الاعمال هي التي تساهم في جمع العائلة على سفرة الافطار, فبالرغم من نجاح مسلسل غسق ومسلسل تخاريف , ارى بأن موعد عرضهما غير مناسب على المائدة الرمضانية , حيث كان من الممكن نقلهما لوقت السهرة على سبيل المثال, او يتم عرض مثل هذه الاعمال خارج السباق الرمضاني.

زيادة الانتاجات الدرامية في ليبيا يساهم في رفع مستوى الحراك الثقافي بشكل عام وسنكون دائما مشجعين لكل الاعمال حتى وان انتقدنها فذلك حبا منا لكل من يساهم في تغيير الوضع الفني في ليبيا, وعادة ما تكون البدايات صعبة لكن في النهاية تكون النتائج مرضية.

 

 

بواسطة
اسماعيل بلعيد - صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق