الدكتور عبد الرحيم السني يبرز دور إمارة المؤمنين في حفظ الثوابت الدينية

شارك الدكتور عبد الرحيم السني، باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، مؤخرا في برنامج قضايا فكرية الذي تبثه قناة السادسة المغربية ويقدمه الإعلامي هشام الحليمي، وتطرق الى موضوع التصوف كثابت من الثوابت الدينية المغربية، ونشأته إلى جانب العلوم الأخرى، مبرزا الأسس العلمية والسلوكية التي يقوم عليها هذا العلم.

تحدث الدكتور السني في البداية عن المرجعيات الضابطة والمؤطرة لمفهوم التصوف، كالمرجعية العامة، وهي تقوم على ما ترسب في اذهان العامة، و المرجعية الأوصولانية، وهي تمثل الاتجاهات التي عرفت بمواقفها السلبية من التصوف، وألفت كتبا ضده، إضافة إلى المرجعية الاستشراقية، ثم المرجعية الأكاديمية التي قدم من خلالها الباحثون المسلمون وهم ليسوا شيوخا للتصوف ولا ممارسين له، وتتراوح بين العديد من المرجعيات كالمرجعية الانتروبولوجية والسوسيولوجية والمرجعية النفسية والمرجعية التاريخانية، والمرجعية اللسانية والادبية.

كما سلط الاكاديمي السني الضوء على المرجعية الصوفية، الممارسون وشيوخ التربية، من خلال ما قدموا وما عرفوا به هذا العلم، منبها إلى أن المنطق يحتم علينا الرجوع الى هذه المرجعية التي تستند لأقوال الصوفية مثل ما هو سائر في سائر العلوم، مقدما مجموعة من التعاريف التي عرف بها الصوفية علم التصوف، الذي وصفوه بعلم الأخلاق والتزكية، موردا مقولة مشهورة عند الصوفية “من زاد عليك في الأخلاق فقد زاد عليك في التصوف”.

كما قدم تعريف الجنيد للتصوف “استعمال كل خلق سني وترك كل خلق دني”، موضحا انه العلم الذي يحقق العبودية الكاملة لله تعالى، موردا قول الإمام أبو الحسن الشاذلي “التصوف هو تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية”، وبين أن تعدد تعاريف التصوف يرجع إلى أن التصوف يسير في مسار سلوكي طويل، فكل سالك يعيش حالة إيمانية في درجة معينة يعبر عنها بمعنى من المعاني، مضيفا أن التصوف يختص بالطريق الى الله وطريق الله ممتد، وفي كل محطة يتراء للسائر معنى من المعاني فيعبر عنه على انه سر التصوف، مقدما تعليق الشيخ زروق في كتابه قواعد التصوف على هذا الأمر “وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الالفين مرجع كلها لصدق التوجه لله تعالى وانما هي وجوه فيه”.

وأشار إلى موقع التصوف من الثوابت الدينية المغربية الأربعة، العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف وإمارة المؤمنين، موضحا أن هذه الثوابت تخدم الدين الاسلامي، مبرزا الدور الأساسي الذي تلعبه مؤسسة إمارة المؤمنين في خدمة واحتضان هذه الثوابت.

وأوضح أن إمارة المؤمنين تندرج تحت الامامة العظمى وهي من الاصول في علم الكلام، مذكرا بما قدمه السلاطين العلويين في خدمة هذه الثوابت، مشيرا إلى أن بعض السلاطين كانوا علماء يدرسون هذه العلوم، وذكر بالمبادرات التي يقوم بها الملك محمد السادس حفظه الله، منذ اوليه العرش لخدمة هذه الثواب.

وأشار إلى الصلة القائمة بين التصوف والعقيدة والفقه، التي تقوم على التكامل في ما بينها، موضحا أن ذلك يتجلى في أن الفقه بالدين والعقيدة والتصوف يندرجون ضمن الفقه بالدين بمعناه الشمولي باعتبار ان كل واحد منهم يخدم مقاما من مقامات الدين الثلاثة، وتابع أن “التصوف خادم لمقام الاحسان وأن الفقه والعقيدة خادمان لمقامي الاسلام والايمان، وحيث بالضرورة أن من تحقق بدرجة الإحسان يكون قد تحقق بالإيمان والإسلام فان فيكون بالضرورة العلم الخادم لمقامي الاحسان يكون متضمنا لجزء من هذين العلمين علم الفقه وعلم العقيدة.”

وشدد السني على انه لا تصوف بدون فقه، موردا المقولة المنسوبة إلى الإمام مالك “من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق”، مبينا أن “من تفقه ولم يتصوف أي اخذ العلم ولم يأخذ العمل به، وأن من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، هذا الذي يدعي هذه المقامات من القرب ومن المشاهدات ولا ينضبط بالقواعد الفقهية والشرعية هذه زندقة، منبها إلى أن التجربة الصوفية المغربية منضبطة بهذا الضابط الفقهي ومتعاضدة معه الى جانب بعد العقائد”.

وأضاف أن ما يترتب عن علم الفقه وعلم الكلام يترجم سلوكيا في التصوف، وأكد أن اختيار المغاربة للثوابت سهر عليه العلماء، مضيفا أنه قل ما تجد احد علماء القرويين قديما ليس صوفيا، ونعت التصوف بأنه أغلى وأرقى ما يوجد في الممارسة الدينية، وزاد أن كمال الدين يتم بالتحقق بمقام الاحسان الذي يختص به التصوف.

وأكد أن التصوف ينبني على مبدأ التقوى باجتناب المنهيات واتيان الاوامر، موضحا وجود منهيات ومأمورات باطنية الى جانب المنهيات والمأمورات الظاهرة التي يختص بها الفقه، وأضاف أن الصوفية يأخذون بالعزائم، وأن من بين تعاريف التصوف أنه علم الورع، وبين أن التصوف ينضبط بالأوامر والمنهيات الباطنية مثل التحلي بالصدق والخشوع والتواضع وتجنب الكبر والنفاق والعجب، مستدلا بقوله تعالى “ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن”، وقوله سبحانه “وذروا ظاهر الاثم وباطنه”، كما استشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»، وحديث “إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم”.

وأشار إلى تركيز الصوفية على البعد القلبي والوجداني لأنه هو الاساس، مضيفا أن التصوف حمال للمباحث الايمانية موردا مقولة “التصوف في بدئه معرفة الله ونهايته توحيده”.

وقام بتفصيل الأسس العملية والسلوكية الخمسة التي يقوم عليها علم التصوف، وهي الصحبة الصالحة مستشهدا بقوله تعالى ” واتبع سبيل من اناب الي”، وقوله “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه”، وقوله عز وجل “يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين”، كما اورد حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد جاء فيه “الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل”، إضافة إلى الحديث الذي أخرجه البزار عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال قيل: يا رسول الله أي جلسائنا خير؟ قال: “من ذكركم بالله رأيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكركم بالله عمله”، وأشار إلى حكمة لإبن عطاء الله السكندري قال فيها “لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلّك على الله مقاله”.

وفي ختام البرنامج أشار السني الى الدور الفعال الذي يقوم به الصوفية من اجل تنشئة مريديهم على ان يكونوا ايجابيين في مجتمعاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق