الدكتور منير القادري.. الصوفي يقيم “دولة الله” في قلبه أينما حل

تحدث الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في كلمته في الليلة الافتراضية السادسة عشر المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال، السبت 15 غشت 2020، موضوع ” التصوف والتربية على الذوق الجمالي والإحساني”.

وبين أن الإبداع الرائع في الخلق، والصنع المتقن لله عز وجل، لا يستطيع العقل ولا القلب أن يدرك منه شيئاً إلا حين يستيقظ من جمود العادة، ورتابة المألوف، ليستمع إلى إيقاعات الكون من حوله، ويتطلع إلى إيحاءاته، فتطفو روحه في تناغم مع عناصر الكون أجمع.

 وأكد أن طريق المعرفة الصوفية ليس النظر المجرد، وإنما العمل المؤطر والتربية الاحسانية الربانية التي يرعاها الشيخ المربي المزكي، من خلال تصحيح وجهة قلب المريد، وربط همته وغايته بالمولى عز وجل، وأضاف أن الصوفية يعتبرون الجمال من أبرز مظاهر تجلي الخالق عز وجل، و دليلا قويا على وجوده، وتعبيرا عميقا على قدرته المطلقة على كل شيء، وهو ما انعكس في أشعارهم التي تعج بالمشاعر الفياضة و المحبة الصادقة التي ترى الجمال في كل شيء. 

 وأشار إلى أن عبادة الله في التصوف منهجها مستمد من التربية المحمدية، وأن الموقف المتفائل من الوجود داخل الخطاب الصوفي يسير على نهج خير البرية مذكرا بقوله صلى الله عليه وسلم” إذا خرج الرجل على إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل يحب الجمال”.

وبين أن جَمالاً كان الله موصوفاً به يحملُ رسالتين إلى الإنسانِ، عبرَ رُسُلِ الكونِ الموزَّعةِ فيه أولاها: أنَّ الله الجميلَ وصفَ نفسَه بهذا الجمالِ، و سَمى نفسَه به، ليجعل الجمالَ أساساً في الوجود ، و أصلاً في الذات والصفات، وثانيها : صناعة الجمالِ، في النفسِ، وفي الكونِ كله، قولاً وفعلاً، صفةً و ذاتاً، حقيقةً وصورة، موضحا أن هذه  المعاني التي يستشعرها الصوفي، هي نتيجة للاستغراق في التربية الروحية، ومواظبة التفكر في تجليات الجمال الإلهي، وسلامة القلب من الحظوظ والعلائق.

      وأبرز أن هذه الأفكار من أكثر أوجه التصوف جاذبية للجيل الجديد من الشباب الذين سئموا قائمة التحريمات التي لا تنتهي عند  المتشددين، الذين حرموا معظم مباهج الحياة، مخالفين الفقهاء الذين أباحوا كل ما يتقاطع مع مسار الحياة الصحية في عصرنا والاشتغال بكل ما يظهر الوجه الحقيقي للإسلام والمسلمين، وبين أن التصوف يشتغل بشكل أساسي على إصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها، لذلك لا يعتقد الصوفي بأن عليه أن يعيش في “دولة الله” حتى يكون مؤمناً صالحاً، إنما يقيم دولة الله في قلبه أينما حل على أرضه، ويسعى لنشر الخير والعدل، مذكرا بالحديث الشريف الذي رواه  الامام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين” .

وأضاف أنه لا بد من تفعيل قيم الجمال  الحقة من أجل جني ثمارها، وذلك بتطوير منظومة التعليم وبناء الأسرة المستقرة ودعم المبادرات الملكية الرامية إلى  تحفيز وتمنيع الشباب وتنشئتهم على احترام الممتلكات العامة والخاصة و حماية البيئة.

  و أشار إلى أن الطريقة القادرية البودشيشية باعتبارها زاوية صوفية تؤمن بضرورة قيامها بواجبها الديني والوطني، جاعلة  من مقاصدها التربوية التربية على قيم الجمال والإحسان وحسن الخلق، مصداقا لقوله تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (سورة القصص الآية 77)، وأضاف أنها  تريبي مريديها على مراعاة حق الله وحق العباد في وطنهم، وأنها  تبقى دائمة الإعلان عن مواقفها الوطنية النابعة من إيمانها الراسخ بثوابت المملكة مجندة وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مقال غاية في الجمال. التصوف وإن كان مصطلحه حادثا إلا أنه الممثل الحق المقام الإحسان. ونحن نعيش ذكرى الهجرة لا أدل على قيمة الجمال في هذه الدين من تغني الأنصار بكلمات كلها جمال
    طلع البدر علينا
    من ثنيات الوداع

  2. كلام عميق يشير إلى بعد النظر في تفعيل تنمية بشرية علئ أسس صحيحة هي صناعة الإنسان الفاعل الصالح الذي منه يبتدأ و إليه ينتهي نجاح هذا ألمشروع المستقبلي الذي يدعو إليه ملك البلاد. والذي ستجني ثماره الأمة المغربية. ومحيطها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق