الرباط.. قراءة في كتاب “الربيع العربي والتغيير، سؤال المستقبل

قراءة في كتاب

قام مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، بشراكة مع المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام، يوم الإثنين الموافق لـ 24 أكتوبر الجاري، بتنظيم ندوة بمعهد الإعلام والاتصال بالرباط، حول قراءات في كتاب جماعي بالعربية والألمانية بعنوان: ”الربيع العربي والتغيير، سؤال المستقبل”، بمشاركة أساتذة من تونس والمغرب، هذا الكتاب الصادر مؤخرا ساهم فيه باحثون وصحفيون عرب وألمان من بينهم المفكر والرئيس التونسي السابق منصف مرزوقي، وهدى صالح، وراينار هيرمان، وحسام الدين درويش، وعبد الله ساعف ومنصف السليمي وغيرهم.

وقد اعتبر رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية عبد الله ساعف أن ما يميز الكتاب هو تناوله لما جرى من أحداث خلال “الربيع” وكذا لامتداداتها الحالية من خلال مواقع وجغرافيات مختلفة، فهو يتناول الأوضاع في تونس التي تعيش “ليس ثورة مضادة ولكن نوعا من الانسداد والتراجع”، حسب تعبيره، كما يدرس الوضع في ليبيا التي تعرف “تطورات معقدة”، إلى جانب دراسة حالات دول أخرى مثل اليمن والسودان .. عبر متابعة “مساراتها وتركيباتها الاجتماعية المختلفة” والتركيز على قضايا متعددة مثل: الشباب، والمرأة، والفاعلين الاقتصاديين..

واعتبر ساعف أنه منذ 2011 كانت هناك وقائع وتحولات متقطعة ومتتالية، بحيث كانت هناك مظاهر تحديث ثم تراجعات وعودة للتقليد بشكل يمتد ويختفي ثم يعود ليبرز من جديد، وتسائل في مقدمته للكتاب: “هل كان الأمر يتعلق بديناميات غير عادية خارجة عن المألوف، وبظروف استثنائية تشكل قطائع؟” وبالتالي “هل ينبغي أن نواصل تقديم حصائل مرحلية لهذه الأحداث من منظور العلوم الاجتماعية وهو ما تم عدة مرات منذ انطلاقاتها الأولى؟” وقد خلص إلى أنه “بعد مرور أكثر من عشر سنوات، يبدو أنه ما زال من المشروع إثارة تساؤلات حول طبيعة المسارات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أحدثها الربيع العربي باسم الدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومكافحة سوء الحكامة والرشوة”.

من جانبه، أوضح الصحفي والباحث التونسي منصف السليمي رئيس المؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام أن هذا الكتاب هو ثمرة لقاء بين مثقفي المغرب العربي في ظرفية صارت مثل هذه اللقاءات نادرة برأيه. وقد جاء الكتاب بمبادرة من هذه المؤسسة التي تحتضن في ألمانيا عددا من الكفاءات التونسية المقيمة في هذا البلد. وأبرز منصف السليمي أن الكتاب يتضمن أبحاثا تم إعدادها وفق معايير علمية إلى جانب مداخلات ألقيت خلال ندوة علمية في ماي 2022 بمناسبة مرور 10 سنوات على الربيع العربي. وهي أبحاث تتميز باعتماد مناهج مختلفة: تاريخ، اقتصاد، علوم اجتماعية مختلفة.. في وقت يلاحظ الباحث أن ما تنقله وسائل الإعلام عن أحداث “الربيع” يتميز “بتقييمات غير علمية تطغى عليها نظرية المؤامرة”.

وتوقف منصف السليمي عند كيفية متابعة الدول الأوربية لأحداث الربيع حيث كانت تهتم بها من زاوية ما يمكن أن يحصل من تغيير وتحديث في المنطقة العربية، ومن منظور رعاية الحقوق الليبرالية عبر تعزيز أدوار الجمعيات مثلا، إلا أن الأوربيين سجلوا، حسب الباحث، أن هذه الأحداث أفرزت أيضا قوى متضاربة ومتصارعة: محافظة، عشائرية… وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الفاعلين والمكونات الراعية للقيم الليبرالية، وحول ما سيجري في السنوات القادمة بشكل عام. كما تحدث منصف السليمي عن الاهتمام الذي حظيت به القوى الإسلامية على اعتبار أنها كانت بمثابة “فاعل ثابت”، كما أنها كانت “موضوعا خلافيا وموضوع انقاسمات” نتيجة بروز نقاشات حول قضية الهوية مثلا. وهو ما يطرح، برأي الباحث، تساؤلات حول مدى مساهمة الإسلاميين في تقوية التيارات المتطرفة والإرهابية وحول مستقبل الإسلام السياسي؟ وهل يمكن أن تتحول هذه القوى السياسية إلى تيارات مدنية علمانية؟ و هل لديها بدائل اقتصادية؟

وأوضح عبد الحق الزموري مدير دار النشر التونسية “ارتحال” أن الكتاب يطرح تساؤلات مهمة حول الدولة الوطنية الحديثة في المنطقة، وحول أدوار الفاعلين في أحداث الربيع من مثقفين ورجال أعمال ومجتمع مدني ومؤسسات إعلامية وأمنية. كما يطرح أهمية سؤال الآفاق. واعتبر الزموري أنه لا ينبغي التركيز فقط على الإسلام السياسي ومكانته وأدواره، ولكن ينبغي، برأيه، أن تطرح تساؤلات حول مختلف الفاعلين. وقد سجل أن النخبة في سياق هذه الأحداث “أفرزت لنا تيارات شعبوية”، إلا أنه أكد على أنه ليس متشائما بخصوص مستقبل المنطقة. ويتضمن الكتاب دراسات عن أحزاب إسلامية معروفة مثل حركة النهضة في تونس التي يصفها منصف المرزوقي بأنها “حزب ديمقراطي بامتياز”، ودراسة عن حزب العدالة والتنمية في المغرب. وقد أعلن عبد الحق زموري أن هناك مجهودا لإصدار ترجمة انجليزية للكتاب الذي سيكون موجودا في المكتبات المغربية في الأيام المقبلة.

وأوضح الأستاذ علي كريمي من مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية أن قراءته للكتاب دفعته إلى التفكير في إجراء مقارنات بين ما جرى في 2011 وما جرى في الماضي خلال الخمسينيات وما نتج عن ذلك من تداعيات خاصة على النظام العربي. حيث اعتبر أن ما نعيشه اليوم يجسد ”مخاضات الوهن والترهل الذي يعرفه هذا النظام“، وقد ظهرت مؤشرات ذلك المخاض، برأيه، منذ حرب الخليج الأولى في 1979 وهو ما أدى إلى انهيار الوحدة العربية والنظام الاقتصادي، وحلت شعارات مثل نهاية العروبة والقومية، وتوقف الباحث بالخصوص عند المقارنة بين أحداث الربيع في 2011 وثورة 1952 في مصر التي شكلت أيضا تحولا مهما برأيه، ليخلص إلى أن هناك تشابها وتنافرا في ما يخص طبيعة النزاعات والصراعات. فخلال أحداث 2011 ظهرت، حسب علي كريمي، كل من السعودية والإمارات كطرفين رئيسيين في الصراع، أما في الخمسينيات فكانت مصر هي التي توجد في قلب الصراعات، كما لا حظ أن هناك اليوم هيمنة لليبرالية المتوحشة عكس الاقتصاد الموجه والتأميمات التي كانت سائدة في السابق، كما لاحظ تراجع الدولة الاجتماعية وخفوتها مما أدى إلى انتشار البطالة وتراجع الخدمات الصحية وتغول الدولة القمعية.

يرى علي كريمي أن ثورة 1952 كانت تسعى إلى بناء الدولة الأمة. أما أحداث الربيع العربي فكانت تهدف إلى بناء الدولة الديمقراطية عبر احترام التعددية. لكن الاثنتان لم تنجحا مما أدى إلى تفتيت النظام الإقليمي العربي كما نلاحظ ذلك في سوريا والسودان وليبيا وغيرها، ومن خلال ظهور قوميات الأكراد والأمازيغية، مع بروز محور محافظ تتزعمه السعودية والإمارات، وتراجع ظاهرة القيادات السياسية العربية ذات القدرة على إبرام التصالحات.

من جهته، توقف عبد الجبار عراش أستاذ العلوم السياسة، مدير مجلة “حوارات”، عند مفاهيم مثل الثورة والثورة المضادة ليسجل أن من بين مؤشرات الثورة المضادة بروز انقسام النخب وغياب الرغبة في التغيير وزعزعة الاستقرار، وتدخل القوى الأجنبية، كما سجل بخصوص الدراسات التي تناولت الحركات الإسلامية، أن هناك تباينات في استعمال المصطلحات من قبل الباحثين: “إسلامية” – “إسلاموية” – “حركات متطرفة”.. مضيفا أن أحد الباحثين يعرف الإسلاميين بالقوى التي ترفض القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية.

وتناول الباحث أيضا موقف الغرب من أحداث الربيع وتدخلاته التي كانت ترمي فقط إلى خدمة مصالحه، حيث جاء في إحدى الدارسات توصيف لهذا التدخل كما يلي: ” لقد تم إركابنا في المركب الخاطئ، أردنا أن نرى ما لم يكن موجودا، ولم نر ما حدث”. أما الباحث منصف المرزوقي فيرى في الكتاب أن “الغرب أنواع” وأنه لا ينبغي التعميم لأن الدول الغربية تعاملت حسب أشكال مختلفة مثل: التطبيع – الاعتذار الضمني – رفع اليد عن شؤون المنطقة، وسجل عبد الجبار عراش عموما عدم التزام الاتحاد الأوربي، مثلا، بالمعايير التي وضعها هو نفسه وأن القوى الغربية لم تقدم الدعم لثورات الربيع، وانحازت للاستقرار من منظورها ومصالحها الخاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق