الزواج الإجباري في ليبيا.. حقٌ ضائع وحياة تعيسة

عند سماع مصطلح (الزواج الإجباريّ) يذهب بعض النّاس إلى التفكير بـ(زواج القاصرات). لكنّ الأوّل يختلف من حيث المبدأ عن الثاني. فالزواج الإجباريّ لا يعرف عمرا محدّدا، ولا جنسا معيّنا، ولا يفرّق بين صغيرةٍ ولا كبيرة. بل هو مقترنٌ بانعدام رضا أحد طرفي الزواج به. مهما كان عمره وجنسه. وأن يكون هناك سبب ما، يُجبر الزوج – وفي الغالبية العظمى تكون الأنثى – على الزواج، دون اعتبار لرأيها ولا موافقتها.

أشكال من الزواج الإجباري
للعادات والتقاليد في ليبيا سلطة كبيرة، حتى ولو كانت هذه العادات معقدة أو متخلفة. والزواج الإجباري أحدها، وله صور وأشكال مختلفة. منها ظاهرة فرض زواج الابن من ابنة عمّه او ابنة خالته، لاعتبارات خاصّة بأهلهم، دون الاكتراث لما سيعيشه الزوجان لاحقا.

أيضا هناك زواج (التحجير) وهو أحد أشكال الزواج الإجباريّ؛ لأنّه يقوم على منع الشابّ لابنة عمه أو عمّته، خاله أو خالته، من زواجها من شخص آخر، لأنّه أولى بها!!!، وبالإكراه. وفي وقت قريب من هذا العام، انتشرت قصّة عن هذا الموضوع في إحدى المدن الليبية. فبينما كانت الفتاة تستعدّ لزفافها من الشخص الذي اختارته بنفسها ورضيه له أهلها، ظهر عليها قريبُها الذي قام بـ”تحجيرها” ليتمّ إلغاء زواجها مع الشخص الذي أرادته. ووجدت نفسها مرغمة على الزواج من قريبها.

اسمعوا مرام، مطلّقة وعمرها 21 عاما
مرام (24 عاما) فتاة هادئة، مطلّقة من 3 سنوات، من زوجها الذي تزوّجها وعمرها 18 عاما فقط. التقيتُ مرام بعد محاولات عديدة، رغبة منّي في فتح مساحة لها لتعبّر عن نفسها وتحكي قصّتها. حاولتُ معها أن أفهم أسباب إجبار أهلها لها على الزواج، وأيضا، لماذا كان ذلك في سنّ مبكرة (18 عاما) ولم تبدأ حياتها بعد:
“لقد كنت ضعيفة في الدراسة، وهذا اللي جعل أبي يشوف إني حننجح في الحياة الزوجية؛ لأنّ مستواي الدراسي كان ضعيف، رفضت عدة خطاب قبل أن يأتي صديق والدي ويطلبني لابنه الذي يكبرني بـ6 سنوات. وافق أبي على طول دون أن يتردد لأن الراجل كان متريّح ماديّا (مقتدر ماديا) وكان أبي يقول أنّه يقدر “يسعدني” حسب رأيه.”
“وبعد ضغط كبير منّه، وحرب نفسية شنّها عليّا في الحوش، معش قعد يصرف عليا و يسجن فيا، وياخد منّي في النقال، وحتى ما يخلش فيّا نمشي مناسبات مع أمّي، اضطريت (اضطررت) بعد شهرين تقريبا أن نرضخ ونوافق علها تكون خير”
يبدو واضحا المعاناة النفسيّة التي تمر بها مرام من حلال حديثها، كما لا يُستبعد أن يكون لعلاقتها المضطربة مع أهلها خلفيّات أخرى وتراكمات نتيجة عادات أهلها وتقاليدهم وعقليّتهم. ولكن أن يصل الأمر إلى بيع (تزويج) ابنتهم قسرا فهذا يصعب تفسيره!.

ولكن ماذا عن حياة مرام بعد زواجها. تقول:
“كان بس يعامل فيّا زي الحيوانة، ننظم (أرتّب) ونطيّب (أطبخ) ويدير معي في الحاجات الأخرى و خلاص. طول الوقت كان يسهر مع أصحابه ويسيّب فيّا، وديما نتعارك أنا ويّاه، و كان طول الوقت يعاير فيّا لأنّي كنت ضعيفة في الدراسة، وعالة على أهلي، وكان يعامل فيّا وكأنه متحشّم من كوني مرته”

تتحدّث مرام بحسرة كبيرة، ومرارة، تظهر في انفعالها وتلعثمها. ولكن عندما سألتها عن طلاقها. سكتت قليلا، ثم قالت بهدوء:
“بعد كل شي صار، قرّرت أن نتحمّل، لكن بعد اكتشافي عدم ولاءه ليا، وكمية احتقاره ليّا، وجعتني نفسي وقرّرت قرار نهائي إن نطلق منه مهما كان الثمن. وكبرت المشاكل بينّا ورجعت لمنزل أهلي، رغم أن أبي كان معارض طلاقي في البداية، ورفض رغبتي في الطلاق منه، زي ما رفض رغبتي في الزواج منه“

“لكن وصلت لمرحلة معش قدرت نتحمل،أصرّيت لأني كرهت الحياة معاه، وكنت عارفه إنّ حتكون حياتي معاه تعيسه من البداية، وأنا أيش ذنبي نكون مطلقة وعمري 21 سنة، في مجتمع لا يحترم إرادتي ويحملني مسؤولية أشياء لا ذنب لي فيها، وينظر لي بدونية لأني مطلقة!!”

ما تعانيه مرام، يعانيه الكثير غيرها. وقصص الظلم الأسري في ليبيا على البنات تخرج عن الحصر. ولكن ما يحيّرني حول هذه الأسر التي تجبر بناتها على الزواج، كيف تنظر إلى بناتها؟ وكيف تنظر إلى الزواج الإجباري؟ هل هو حلّ؟ أليس غالب هذه الزيجات تكون تعيسة، وبعضها ينتهي بالطلاق؟. يعني المشكلة لا تزال قائمة، بل الأسرة تحلّ المشكلة – حسب تصوّرهم – بمشكلة أكبر – حسب الواقع – وأكثر تعقيدا.

خاتمة
الزواج مشروع عُمر، وكأيّ مشروع؛ يحتاج إلى دراسة جدوى، وتأنّ واختيار الشريك المناسب والوقت المناسب. وهو بالدرجة الأولى اختيار فردي، يجب ألا تتدخل الأسرة فيه. كيف لعائلة أن تكون نواة مجتمع، وهي عائلة غير صحيّة، والزوجان لا يتبادلان أيّة مشاعر ودّ وحب. وهذا سيؤثر على عملهما وطموحهما وتقدّمهما في الحياة، وسيؤثّر أيضا على الأطفال الذين سيكبرون في هذه البيئة غير الصحية.

بواسطة
احمد سالم حمد التومي - ليبيا
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق