سرّ تاج أكرم المرسلين محمّد ﷺ

بقلم الشيخ عبد الرؤوف اليماني – شيخ الطريقة الجهرية النقشبندية وشيخ صوفية الصين

تمّت مناقشة “المرآة السداسية” في العديد من الكتب الصوفية القديمة مثل كتاب: “شرح أخفاه الدين الإسلامي”. فمثلا إذا فهمتَ سورة “النحل” فهما صحيحا ستفهم حينها الباعث وراء بعض الممارسات الصوفية وستتوضّح لك صحّة أصول التصوف.

تقوم صورة العرش -الذي تتنزّل منه رحمات الله وجميع الكتب السماوية- على ستة مثلثات وستة مستطيلات.

العرش كلمة تُطلق على سقف السماء، وجاءت في موضعين اثنين في القرآن بمعنى “كرسي الملك”. ففي قصة النبي سليمان عليه السلام، تم استعمال عبارة “عرش” للدلالة على كرسي الملكة بلقيس. وعند دعوة النبي يوسف عليه السلام والديه للجلوس على كرسيه تم  التعبير عن هذا الأخير  بِـ “العرش” كذلك. وحسب ميراث النقشبندية الجهرية، كل كلمة “عرش” جاءت في القرآن الكريم عَنَت “سقف السماء” ما عدا هذين الموضعين.

عندما تبني النحلة خليّتها، تُقِيمها على أساس سداسي. فهمك لآيات سورة النحل سيكشف لك عن أسباب بعض العادات الصوفية، وسيُعرِّفك على بعض أسس التصوف المذكورة في القرآن.

كان رسول الله الكريم ﷺ يرتدي طاقية ذات جوانب ستّة مستطيلة الشكل، تليها ستّة مثلثات من الأعلى، وكان يلفّها ﷺ بعمامة تسمّى “دستار” باللغة الأُردية. هذا ما كانت عليه صورة طاقية سيّد الخلق ﷺ.

ما سرّ تاج  أكرم المرسلين؟

فيما يلي توضيحات لمفهوم المرآة السداسية:

عندما أوجد الله تعالى الإنسان، خلق في جسده الفاني فِتنًا سِتّ، وأحياه في دار الزوال للامتحان.

تُعتبر مثلثات الطاقية ومستطيلاتها الستة تذكيرا للمسلم بتجنّب مغريات ستّة مجالات، التي -لولا رحمة الله بنا- لما نجا فرد من بيننا من الوقوع في فتنها ومعاصيها، وهي كالتالي:

  1. الأكل يعظِّم الشهوات والهوى.
  2. الهوى يمنع رؤية الحقيقة، فلا يكون الدافع وراء الأفعال طلب وجه الله وإنما إرضاء الأنا وإشباع الشهوات.
  3. الجشع يعيق التفاني والإخلاص.
  4. يتّكأ الشيطان على شهوة الأكل لدى البشر ليغذّي ويُحكِّم سطوة رغباتهم الأنانية وأهوائهم عليهم. الشيء الذي يفتن خواطرهم سرًّا، فتَطْفَق مُجمل أفكارهم وخططهم تنحاز بهم إلى عالم الدنيا المادي، تُعظِّم أنانيتهم وتدفعهم لارتكاب المعاصي.
  5. التعلق بالدنيا ونسيان الموت. من المعلوم أننا لا نفرّط في تغذية أجسادنا، لكننا للأسف، غالبا ما نهمل تغذية أرواحنا، فيربو الجسم سُمنةً وتتضوّر الروح جوعًا.
  6. التكبّر، الحسد، الأنانية وهوى النفس هي أعداء أربعة تحرم العبد من إحساس القرب من الله. خلق الله سبحانه وتعالى هذه “الأعداء الأربعة” مُذ خلق سيّدنا آدم عليه السلام، وبثّها في أفئدة البشر ليُمتحنوا بها في حياتهم الدنيا.

عرش الرحمـٰن كمرآة -على سطحها الذي يأخذ شكل العرش السداسي- يقع انعكاس الفتن الست، التي لا بدّ أن يسعى الإنسان باستمرار لتجنّب الوقوع في شباكها. دوام ارتداء المسلم لطاقيته السداسية يجعله مُتنبّها دوما لجسامة هذه الفتن فلا يرضخ لتأثيرها.

من اللازم التنبيه لضرورة الالتزام والتمسك بنظام يومي ثابت، حيث أنه الأساس المانع لتأثير إغراء المعاصي. فيما يلي توضيحات لأصل وفخامة ارتداء الطاقية سداسية المثلثات والمستطيلات مُستقاة من بعض الكتب القديمة.

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف، الآية 54).

وفقًا للتفسير القرآني، تشير الأيّام الستّة إلى المثلثات والمستطيلات الستّة. “تفسير محيي الدين بن عربي”.

عندما نزلت الآية: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدّثر، الآية 4)، طلب الصحابة رسول الله ﷺ أن يصف لهم شكل الطاقية. فأجاب ﷺ بما مفاده: لم تُذكر طبيعة شكل الطاقية على نحو صريح في القرآن الكريم، لكن ربّي أراني ليلة المعراج صورة العرش الجميلة بمثلثاته ومستطيلاته السداسية. لذا وجب على رجال أمّتي أن يجعلوا من طاقياتهم صورا لهذه المثلثات والمستطيلات الستة المكوِّنة للعرش.

وقد ورد في كتاب “شرحٌ أخفاه الدين الإسلامي” أن الرسول ﷺ ألبس طاقيته لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- قبل إرساله إلى اليمن دلالةً على رتبة “الولاية”. وأمر صلوات الله عليه -وهو على فراش الموت- خلفاءه بتسليم ردائه الأخضر إلى أويس القرني -رضي الله عنهم جميعا- دلالة على مقام “النبوّة”.

في تلك الفترة، كانت اليمن تعيش في فيض من البدع، تعجّ بالسحر وتعتبر أرضا للزرادشتية. ولمّا كان معاذ -رضي الله عنه وأرضاه- الأوسع معرفة بالقرآن والأكثر إلماما بجوانبه، اختاره رسول الله ﷺ لتلك المهمة.

كان معاذ -رضي الله عنه- على جمله الأبيض يستعدّ للرحيل، عندما خطا ﷺ سبع خطوات عن يسار الراحلة وثمانيَ خطوات عن يمينها، ورجع باكياً.

حينئذ استفسره الصحابة عن معنى ذلك؟ فقال ﷺ ما يُفيد أنه: “بفضل أتْباع معاذ -رضي الله عنه- أُغلقت أبواب الجحيم السبعة وفُتحت أبواب الجنّة الثمانية.”

كان هذا الحديث دليلا على ما ستؤول إليه أحوال أهل التصوّف من خير  في الدار الآخرة.

 

لأجل السير على خطى خاتم النبيّين ﷺ، والاضطلاع بالدعوة للإسلام والطريقة، يداوم أولئك المتديّنون بالإسلام الأصلي الموروث عن نبيّهم ﷺ على حمل طاقياتهم سداسية المثلثات والمستطيلات في جيوبهم أينما حلّوا، ليرتدوها أثناء عباداتهم تذكيرا منهم لأنفسهم بواجب إتمام الدعوة المحمّدية.

ورد في التفسير القرآني، أن رجلا من أهل فرعون كان يداوم على ارتداء الطاقية سداسية المثلثات والمستطيلات كما كان يرى نبيّ الله موسى عليه السلام يفعل، فصار بذلك محطّ سخرية جُهّال قومه وأضحوكة لهم. لكنّ تشبّهه ذاك بالنبيّ عليه السلام أنقذه من الغرق مع باقي أفراد قومه في البحر، ولو أنه تاب إلى الله لنجّاه الرحيم من عذابي الدنيا والآخرة.

—— راجع “تفسير روح البيان”، المجلّد 4، الصفحة 137.

أُصيب ملِك في عهد خلافة عمر -رضي الله عنه- بصداع شديد في رأسه، فخرج يبحث عن أمير المؤمنين. عندما تم اللقاء بينهما، وضع الخليفة طاقية سداسية على رأس الملك اختفى على إثْرها فورًا صداع رأسه. حينها خلع الملك الطاقية فإذا به يجد ‘بسم الله الرحمـٰن الرحيم’ قد خُطّت على إحدى زواياها.

—— اُنظر المجلد الأول من “تفسير روح البيان”.

الإسلام إرث ورثناه عن رسولنا الكريم ﷺ. علينا أن نأخذه وننقله على صورته الأصلية دون زيادة منّا أو نقصان أو تغيير، وأن نكون حريصين عليه كل الحرص وحذرين كل الحذر في ممارستنا اليومية له.

قال الله تعالى: {قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله ويغفر  لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (آل عمران، الآية: 31).

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق