أعمال لا تدخل في الميزان

يريد ربُّ العزة للخَلق أن يعايشوا حياة كريمة مِلؤها طاعة الرحمن ومحبة الرسول الكريم محمد-صلى الله عليه وسلم- والتقيد بمنهج الاسلام الصحيح ويتسابقوا في الطاعات واكتساب الحسنات ،فهناك اعمال لا تدخل في ميزان الاعمال لعظمة قيمتها منها:

1- العفو عن الناس
قال تعالى:” الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران
العفو شعار الصالحين الأنقياء الأتقياء ذوي الحِلم والأناة والنفس الهنية الرضية؛لأنّ التنازل عن الحقّ ايثار للآجل على العاجل،وبسط لخُلُق نقيّ تقيّ ينفذ بقوّة الى شغاف قلوب الآخرين،فلا يملكون امام هذا التصرف المبهر الا ابداء نظرة اعجاب واكبار واجلال لمَن هذه صفته وهذا طبعه المتأصل فيه.
إنّ العفو عن الآخرين ليس بالهيّن ،فهو ثقيل على النفس ولا يتم التغلب عليه الا بمصارعة حب الانتصار والانتقام ،ولا يكون ذلك الا للأقوياء الذين استعصوا على رغبات النفس ونوازعها.

عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ”. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن

2- الصيام
قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) البقرة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله: كلُّ عملِ ابن آدمَ له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفُثْ ولا يصخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله، فليَقُلْ: إني امرؤ صائم، والذي نفسُ محمد بيده، لخُلُوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، للصائمِ فرحتانِ يفرحهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقِي ربه فرح بصومه))؛ متفق عليه

والمقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، فالجوع يكسر من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة، وهو كذلك يضيق مجاري الشيطان، وهو سر بين البعد وربه، لا يطلع عليه سواه، وقبل ذلك كله هو عبادة لله، فالصائم يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله، وذلك حقيقة الصيام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “الصوم جنة، فإذا كان صوم يوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم” (رواه البخاري)

قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “.ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه” (رواه البخاري ومسلم)
وقال النبي ـ- صلى الله عليه وسلم -: “.والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم، أطيب عند الله من ريح المسك”، ثم قال الله عز وجل: “يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها” (رواه البخاري)
وقال أيضاً: “إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، فلا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد” (رواه البخاري)
كلّ ما جاء مِن الله تعالى لبني آدم فهو خير ورحمة ، فصيام يوم يجعل الجسم يكوّن كريات بيضاء تمنح الجسم مناعة مدّة عشرة أيام فإن صُمتَ رمضان كاملا 30يوما فالجسم لديه 300يوم مناعة وإن أتبعت الشهر 6 ايام من شوال أي 60 يوما مناعة اصبح لديك 360يوما اي سنة كاملة مناعة فسبحان الرب المعبود .

3- الصبر
قال تعالى:” قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر
وينادي منادٍ يوم البعث :أين الذين أجرهم على الله ؟ فيُقبلُ الصابرون والصائمون والعافون عن الناس …. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين .

قال الجوهري: الصَّبر حَبْس النفس عند الجزَع، وقد صَبَرَ فلان عند المُصِيبة يَصْبِرُ صَبْراً، وصَبَرْتُه أَنا: حَبَسْته. قال الله تعالى:” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) الكهف
حذاري ان تملَّ من الصبر فلو شاء الله لحقَّق لك مرادك في طرفة عين، فالله لا تغفل عنه دموع رجائك ولا زفرات همّك،ولا يُعجزه اصلاح حالك وذاتك لكنه يُحبُّ السائلين بإلحاح،يقول عزَّ مِن قائل:” إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) المؤمنون
أربعة أمور تدل على أهمية الصبر:
الأول: أن الله ذكره في أكثر من تسعين موضعاً في القرآن.
الثاني: أن الله قرنه بالصلاة.
الثالث: أن مقامات الدين كلها مرتبطة به.
فالدين فعل طاعة وترك معصية، وقوام ذلك على الصبر.. ألا ترى أن العفة هي الصبر عن الفواحش وعن سؤال الناس، والزهد الصبر عن فضول العيش، وحسن الخلق الصبر على أذى الناس، والقناعة الصبر والرضا بما قسم الله، والحلم الصبر عن الغضب؟
الرابع: أن الله تعالى لما أقسم بالعصر على خسران الإنسان استثنى فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. أي: أوصى بعضهم بعضاً بذلك.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء)
الدعاء نعمة كبرى، ومنحة جلَّى، جاد بها ربنا -جل وعلا- حيث أمرنا بالدعاء، ووعدنا بالإجابة والإثابة؛ فشأن الدعاء عظيم، ومنزلته عالية في الدين، فما اسْتُجْلِبت النعم بمثله، ولا استُدفعت النقم بمثله.. والدعاء عبادة لله، وتوكل عليه، ومحبوب لله، وأكرم شيء عليه تعالى.. والدعاء سبب عظيم لانشراح الصدر، وتفريج الهم، ودفع غضب الله سبحانه.. والدعاء مفزع المظلومين، وملجأ المستضعفين، وأمان الخائفين. ثم إن ثمرة الدعاء مضمونة؛ إذا أتى الداعي بشرائط الدعاء وآدابه، فإما أن تعجَّل له الدعوة، وإما أن يُدفع عنه من السوء مثلها، وإما أن تُدخر له في الآخرة.

فما أشد حاجتنا إلى الدعاء! بل ما أعظم ضرورتنا إليه! قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:186].

وقوله -صلى الله عليه وسلم- (من سرَّه) من السرور وهو انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة النفس وراحة البال. فالدعوة من الله لك مفتوحة وفي ايّ وقت فلا تتردد فالله سبحانه يريد لنا كل الخير .

فالله سبحانه وتعالى لم يقل بما صلوا او تصدقوا او زكوا بل بما صبروا ؛لأنَّ الصبر عبادة تؤدّيها وأنت تنزف ألماً.

لا تجعل الحيرة تداعب نفسك ،فما عليك الا أن تسلك طريق الرحمن لتوصلك الى الجنان وابتعد عن سُبل الشيطان ووساوسه،فلا تقل من اين ابدأ فطاعة الله تعالى البداية، ولا تقل اين الطريق؟فشرع الله الهداية . ولا تقل اين نعيمي؟ فجنة المولى كفاية ولا تقل غداً سأبدأ فربما تكون النهاية، فلا تتردّد ولا تتحيّر فرضا الله هي الغاية، اللهم رضاك والجنة.

بواسطة
د. خضر موسى محمد حمود - الاردن
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق