المناضل أحمد الجمال .. والضفيرة الحضارية المصرية (2-4)

وهو الوطنى المهموم بالأمن القومى المصرى :
الذى يذوب عشقا بمصر الأرض والنهر .. البشر والحجر .. التاريخ والحضارة .
حتى إنه عرض على الهواء فى لقاء تليفزيونى أن يعود ويلبس ” الكاكى ثانية ” وينزل للدفاع عن الوطن وخصوصا سيناء الحبيبة ضد جحافل الإرهاب جنبا بجنب مع الجيش الوطنى المصرى .
” لأنه لا أغلى ولا أعز من الوطن ، خاصة سيناء الغالية التى يريدون ذبحها وتقطيع أوصالها ” 1)
وينادى بتكوين جبهة وطنية مهمتها الحفاظ على سيناء مصرية حرة نامية منتجة مقاومة صامدة 2)
ويرى أن الوطنية كانت وستظل وستبقى مهمة رسالية طويلة المدى ، تنتقل فيها رايات التحديث والتنوير من جيل لجيل تالٍ عليه 3)
ويهتم اهتماما كبيرا بالأمن القومى المصرى قائلا :
– إن أمن مصر القومى والاستراتيجى- ومن زاوية مصرية بحتة ، استمرت عبر العصور- هو أمن يمتد من القرن الإفريقى ومنابع النيل جنوبًا إلى جبال طوروس ومنابع دجلة والفرات شمالًا ، ومن الهضبة الليبية غربًا إلى الأناضول شرقًا.. وهذا ما عرفه أجدادنا المصريون القدامى وسجلوه فى متونهم .
– إن مصر لم تكن أبدًا معتدية أو طامعة فى أراضى غيرها ، ولكنها فى الوقت نفسه تحمى حدودها وتصون ترابها وتبنى وطنها ، متماسكًا متوازنًا قويًا ، من حول النهر، حتى لا يزحف البحر «الأجانب» إليها 4)
ويدافع عن الجيش المصرى قائلا :
” إن جيش مصر يختلف تكوينا ودورا وتاريخا اختلافا جذريا عن جيوش ما سمى بجمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية … إذ لا أثر عندنا داخل جيشنا لأى تصنيفات طائفية أو جهوية أو عرقية أو حتى أيديولوجية ، ناهيك عن الارتباط العضوى بين منظومة التعليم والتصنيع والاقتصاد منذ تطويرها أيام محمد على باشا وبين وجود الجيش المصرى ودوره والتفاصيل فى هذا كثيرة ” 5)
ويحذر من الوقوع فى فخ ثنائية ” مدنى وعسكرى ” قائلا :
” حكاية مدنى وعسكرى كانت آخر طعنة فى قلب مصر .. طعنة حقيقية .
يعنى صعيدى وبحراوى , مسيحى ومسلم , شيعى وسنى , مالكى وحنبلى , صوفى وسلفى ”
الطعنة الأخيرة هى مدنى وعسكرى .. وكأن الإنسان كفاءته بما يرتديه .. ونسوا أن النشأة المصرية على عكس كل النظريات السياسية ؛ منذ أن قامت الدولة الموحدة على يد مينا .. يحكم مصر قائد .. وتناسوا أن الجيش المصرى من صميم بنية ووجدان هذا الشعب وليس من أمريكا اللاتينية ” 6)

وهو المفكر العروبى القومى :
الذى يهتم بالبعد العربى داعيا ” لتكامل دوائر التاريخ المصرى ” وعدم إلغاء حقبة من حقبه التاريخية .. وينعى على الرافضين للرابطة العربية قائلا :
” ليس ضربًا من ضروب الخيال ولونًا من ألوان الرومانتيكية، أن تكون اللغة عامل جمع بين شعوب عديدة مختلفة إثنيًا ومتباعدة جغرافيًا ومتفاوتة فى مستويات التقدم الاقتصادى والتقنى.
وبعد ذلك كله يأتى من يقرر- وبمزاجه الفردى المتفرد- إلغاء حقبة من تلك الحقب، ويتحدث عن الهوية المصرية بسهولة تنظيف الأسنان من الجير وآثار التدخين !
لقد واجهت مصر- بقوة وصلابة ووعى- التفتيت الدينى والطائفى والمذهبى.. والتفكيك الجهوى والاجتماعى ، وها هو التفتيت التاريخى والهوياتى يهاجم ما تبقى من خلايا جهاز المناعة الوطنى 7)
ويهتم اهتماما كبيرا بقضية فلسطين ويعتبرها قضية أمن قومى فى المقام الأول:
واصفا العدوان الصهيونى على فلسطين بأنه ” عدوان , عنصرى , استيطانى ” مدان بمعايير الشرعية الإنسانية والشرعية الدولية والشرعية الأخلاقية 8)
ولكنه يؤكد : ” إن موقفى من اتخاذ المرجعية الدينية الأصولية الإسلاموية أساسًا للصراع فى فلسطين وفى المنطقة هو الرفض البات … وبقى أن يحدد الآخرون موقفهم ممن يتخذون المرجعية الدينية الأصولية التوراتية ومعها المرجعية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية العدوانية أساسًا لصهيونيتهم ودولتهم.. وأتمنى أن أقرأ شيئًا عن ذلك ” 9)
ويستطرد قائلا : ” إن الصراع مع الصهاينة كان وسيبقى ولابد أن يبقى سياسياً وثقافياً وفكرياً وحضارياً ، ولدينا السابقة التاريخية التى يمكن القياس عليها ، وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقاتل اليهود ويطردهم بسبب دينهم ومعتقدهم ولكن لأنهم نقضوا العهد وتآمروا !
وبالتالى فإن الصواب هو التعامل مع الصهيونية ودولتها الغاصبة باعتبارها عدوانا استعماريا استيطانيا مرتبطا بالاستعمار القديم والجديد، ولابد لمقاومته من أرضية وطنية تضم كل الشعب بمختلف انتماءاته الدينية والعقائدية والفكرية والاجتماعية ، ويكون الدين حافزاً لشحذ الهمة الوطنية ” 10)
ويدافع عن عروبة مصر قائلا :
” أتساءل ساخرًا : هل يمكن أن نصادف مواطنًا فرنسيًا الآن أو قبل الآن مثقفًا أو متعلمًا أو حتى عاميًا- بلا أى خلفية ثقافية وعلمية- يجلس يصيح أو يهمس أو يكتب ناعيًا «غاليا» التى غزاها المجرم كلوفيس الأول وغيّر اسمها ولغتها ودينها؟! وهى سخرية مريرة تخص أولئك الذين مازالوا يصبون جام غضبهم ولعناتهم على عمرو بن العاص الذى – فى نظرهم – غزا مصر وغيّر دينها ولغتها … ولا يفطنون أبدًا إلى أن التعامل مع التاريخ على أنه «دفتر بقالة» أو «يومية زفرة» لا يجوز ولا يليق .. ألفت نظر العلماء المصريين فى الجيولوجيا والأنثروبولوجيا والجغرافيا واللغات والتاريخ إلى أننا كمصريين بحاجة ماسة إلى عمل يتمم ما أنجزه شفيق غربال وجمال حمدان وميلاد حنا وغيرهم من الذين سعوا لدراسة التكوين المصرى” 11)
ويرى أن ما يحدث بسوريا الشقيقة هو من صميم الهموم المصرية وفق دروس التاريخ وحقائق الجغرافيا وفرضيات السياسة ومعطيات الاستراتيجية 12)

وهو المثقف العضوى :
إن كاتبنا الكبير مثقف حقيقى وقارئ نهم للكتب ومتابع للإصدارات الجديدة .
وكثيرا ما تستمع له فى لقاءاته التليفزيونية يقول ” أنا شغال على كتاب كذا ” فتعتقد أنه يتحدث عن كتاب يؤلفه ولكنك تفاجأ بأنه يتحدث عن كتاب يقرأه !!
وهذا نادر فى حياتنا الثقافية الآن .. فجلهم ” يكتبون كثيرا ويقرأون قليلا ” ويتحدثون دائما عن الكتب التى ينتجونها .
أما كاتبنا الكبير فالقراءة الدؤوبة لا تفارقه أبدا ويتابع كل جديد .. ويقتنى الإصدار السنوى من الموسوعة البريطانية فور صدوره .
ويهتم بمعانى الكلمات والمصطلحات ولذلك يقتنى المعاجم اللغوية ” لسان العرب ومختار الصحاح والقاموس المحيط والمعجم الوسيط ” فى مكتبته .
إننا بناء على دراسات المفكر الإيطالى أنطونيو غرامشى ( 1891-1937م ) حول المثقف التقليدى والمثقف العضوى ؛ نستطيع أن نصف الأستاذ أحمد الجمال بالمثقف عضوي :
لأنه مثقف يمتلك وعيا معرفيا وتاريخيا واجتماعيا تقدميا ولا يعيش فى برج عاجى .
ويترفع عن المال والسلطة ولا يتعالى على الجماهير.. ويسعى لبث الوعى فى المجتمع .. مدافعا عن المهمشين والضعفاء ,, داعيا لمبادئ العدالة .
لا يخدع الجماهير ويدغدغ مشاعرهم ولكنه يجابههم بالحقائق .
فأثناء فترة اعتقاله فى أحداث يناير 1977م عرض عليه من المسئولين آنذاك أن يدخل حزب مصر نائبا للسيد ممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء وبدرجة نائب لرئيس مجلس الوزراء ونائبا لجناح الشباب ” ولكنه رفض .. واختار السجن والفصل من العمل ؛ فى سبيل الدفاع عن آرائه مترفعا عن السلطة والجاه والمال 13)
وهو الحكاء الكبير:
الذى يعشق الحكى والسرد ووهبه الله ذاكرة فولاذية تهتم بالتفاصيل .
والمتابع لكاتبنا الكبير سواء فى ندواته العامة أو برامج التليفزيونية التى يستضاف بها يكتشف ذلك بسهولة .
ويرجع ذلك أنه نشأ فى أسرة ريفية ؛ ومعروف أن الحكى والسرد مشهور فى ليالى الريف .
علاوة على أنه كان من رواد قهوة ” ريش ” التاريخية فى صحبة كبار الكتاب والأدباء والفنانين والحكى هو الهواية المحببة على قهاوى القاهرة .
وكم حضر بمجلس الكاتب الكبير محمود السعدنى والتى يسميها ” الحضرة السعدنية ” وهى قائمة عامة على الحكى فى كل نواحى الحياة المصرية .
ويقول فى ذلك : ” كنت فى الحضرة السعدنية ألتزم كغيرى الصمت إذا عكم عم محمود هواء المكان ؛ ليبث فيه وحده موجات إرساله … وقد تأتى الموجه حديثا طويلا عن ذكريات ووقائع تعود إلى قهوة “عبد الله ” حيث الحاضرون الدكتور الأديب والناقد الكبير عبد القادر القط وأنور المعداوى وزكريا الحجاوى وطوغان وأحيانا الضابط المفصول من الجيش أنور السادات .. وكان إرساله لا يتوقف حتى وهو يأكل ” 14)
إن الأستاذ أحمد الجمال تتلمذ ورافق مشاهير ممن اشتهروا بأنهم متكلمون من طراز رفيع
أمثال : ” محمود السعدنى , كامل زهيرى , كامل الشناوى , زكريا الحجاوى , عبد الرحمن الخميسى ” وغيرهم كثير .
يقول كاتبنا الكبير : ” الحنين للسرد مستبد بالعبد لله , وهو المنفذ الوحيد الذى أجده ملاذا للهروب من وجع الدماغ ومناهدة القلب بالكتابة فى السياسة ” 15)
الهوامش :
1- مقال ” دعوة للمقاومة والفداء” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 09-07-2013 م
2- مقال ” التحريف.. والخيانة ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 13-08-2013 م
3- مقال ” الخطيئة بذاتها ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 18-12-2012م
4- مقال ” أمن مصر القومى شرقًا ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 12-5-2021م
5- مقال ” تعقيبًا على طارق البشرى «2» أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 23-7-2013م
6- لقاء تليفزيونى مع الأستاذ أحمد الجمال مع الإعلامى حمدى رزق ببرنامج نظرة على صدى البلد بتاريخ 30-6-2020م
7- مقال ” الموجة الجديدة من التفتيت ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 20-01-2021م
8- مقال ” تحديد الموقف من الصراع فى فلسطين ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 02-06-2021م
9- المرجع السابق
10- مقال ” بديع ثالثهما ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 29-01-2013م
11- مقال ” هوية فرنسا!! ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 13-01-2021م
12- مقال ” لكِ الله يا سوريا ” أحمد الجمال جريدة المصرى اليوم 18-03-2014م
13- لقاء تليفزيونى للأستاذ أحمد الجمال مع التليفزيون المصرى .. أخبار مصر الإعلامى أيمن العدلى بتاريخ 22-7-2020م
14- مقال ” الحضرة السعدنية ” أحمد الجمال الأهرام اليومى 6-5-2021م
15- مقال ” اغتيال وطن ” أحمد الجمال المصرى اليوم 9-3-2016م .

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوي - مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق