الوحدات المختصة في العنف ضد المرأة

وحدها وزارة الداخلية تتحرك بإمكانيات محدودة

في اتجاهك إلى  معتمدية بنقردان عند مفترق المغرب العربي، في ذاك الشارع الرئيسي تعترضك لافتة من ضمن اللافتات كتب عليها مركز مناهضة العنف ضد المرأة التابع لإدارة الشؤون العدلية للإدارة العامة للحرس الوطني.
مركز تم إحداثه في أوت 2018،  يتابع يوميا حسب القانون الأساسي عدد58 لسنة 2017  كل أشكال الاعتداء و الإساءة وا لإهانة المادية والمعنوية التي تتعرض لها المرأة ، ويعمل على ضمان حقوقها وتثمين دورها في المجتمع.

ففي سنة 2014، نص الدستور التونسي في فصله 46، على ” تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأ ة”. وتناغما معه، صادق البرلمان التونسي خلال جلسته المنعقدة بتاريخ 26 جويلية 2017 على مشروع القانون الاساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 اوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة وتضمن هذا القانون فصلا ينص على ” تحدث بكل منطقة أمن وطني وحرس وطني في كل الولايات ، وحدة مختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة طبقا، ويجب ان تضم من بين عناصرها نساء  ويضع على ذمة الوحدة المختصة سجل مرقم خاص بهذه الجرائم.
مركز بن قردان عدد  أعوانه ثلاثة وهم رئيس فرقة ورئيس مركز و عون أمن يباشرون يوميا عملهم لتلقي الشكاوي، في حين أن التركيبة حسب نص الإحداث يجب أن تتكون من 8 أعوان وهم رئيس فرقة و رئيس مركز مناهضة العنف ضد المرأة ورئيس مركز الطفل والمرأة   و5  أعوان بحث. وقد قامت الدولة بتركيز 127 وحدة مختصة  في  كامل أنحاء الجمهورية ، ومركز بنقردان من ضمنها.

الفريق تم اختياره عل ى أساس  كفاءاتهم المهنية ولايزال ون  يتلقون تكوينا من مختصين في طب النفس والشرعي وحقوقيين وقضاة ومحامين بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائ ي. وعن هذا التكوين، أفاد مصدر أمني تحف ظ عن ذكر اسمه أن ا لأعوان المباشرين بمختلف المراكز الأمنية المختصة بمناهضة العنف ضد المرأة تلقوا تكوينا عبر عدة
دورات متتالية تتمحور حول كيفية التعامل مع القضايا الواردة ع ليهم بالتحري والتحقيق و كيفية الإحاطة بالناجية من العنف نفسيا. كما يتم إرشادها إلى  المكان المخصص للإيواء  وإعانتها عدليا. دورات تكوينية بدأت حسب الخبيرة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مشروع إصلاح قطاع الأمن بتون س،  نسرين الربيعي أولا مع تكوين
مكونين من صلب وزارة الداخلية في مجالات متعددة من بينها النوع الاجتماعي وكيفية استقبال الضحية والتعهد الجزائي  وغير الجزائي، مؤكدة أهمية بعث هذه المراكز لضمان حقوق المرأة الناجية من العنف،  خاصة بعد انتشار الظاهرة بمختلف أشكالها. فالعنف ضد المرأة  تزايد في تونس حيث ارتفعت نسبة العنف  سنة 2018 الى 72%  مقارنة بالنسبة المسجلة لسنة 2017 وهي 68% وفق التقرير الوطني حول مقاومة  العنف ضد المرأة بتونس  لسنة 2019

وفي تتبع مسار تركيز هذه الوحدات لتبين أهميتها ونقائصها، تؤكد نسرين أن  وزارة الداخلية تقوم حاليا ، أي بعد عامين من إ رساء هذه الوحدات المختصة في مناهضة العنف وفق تعبيرها بتكوين وحداتها بالمدارس الخاصة بها مثمنة المجهودات التي تقوم بها الوزارة للتصدي لهذه الظاهرة، رغم أن ذلك لا يوازيه مجهود لتغيير  عقلية المجتمع.

سندس قربوج، مكونة ومختصة  في علم النفس أكدت أن  الوحدات المختصة في مناهضة العنف تركزت وفق ثلاث مراحل، بتمويل من المنظمة الالمانية “فريدريش إيبر ت” وبإشراف من مركز البحوث والدراسات والتوثيق  والإعلام حول المرأة –الكريديف الذي شرع في حملة مناصرة لقانون عدد 58 قبل صدوره. وكذلك فعل التحالف الوطني الجمعياتي للقضاء على العنف ضد النساء الذي جمع أكثر من 60 جمعية ومنظمة وطنية ودولية.
تتعلق المرحلة ا لأولى بالجانب النفسي والاجتماعي  وتمحورت المرحلة الثانية حول الجانب الإجرائي ) التسخير، التعهد(…، أما المرحلة الثالثة،  فتتعلق بالجانب القانوني يشرف عليها مختصون في القانون الذين طالبوا بضرورة وجود طبيب شرعي ووكيل جمهورية لتعزيز فريق العمل.   وأشارت السيدة قربوج إلى  تواصل الدورات التكوينية الموجهة لأعوان الاستمرار لمعالجة بعض الإشكاليات والتجاوزات التي تهين الناجية من العنف من طرف كل
القطاعات المتداخلة. فقد سمعت النساء اللائي توج هن لمثل هكذا وحدات ألفاظ من قبيل  “انت وصلت روحك” و “حتى هما النساء كثروا في الشوارع” و “اش مخرجك هكا” … واختتمت السيدة قربوج حديثها قائلة:  ” رغم أن القانون يتضمن فصول خاصة بالوزرات المتداخل ة من فصل 6 إلى الفصل 11، تنص في مجملها على وضع برامج متكاملة حول مقاومة ومكافحة العنف ضد المرأة،  إلا أن  الوزار ة الوحيدة المنضبطة بتنفيذ القانون هي وزارة
الداخلية”.مما يطرح هنا سؤال ما مدى التزام بقية الوزرات ببرنامج التكوين المتعلق بهذا القانون؟ وما مدى أخذها محمل الجد قانونا وآليات تم إرساؤها لحماية الناجيات من العنف؟ وأكثر من ذلك، مدى صمود هذه الوحدات إذا ما تواصل تخاذل الفاعلين الآخرين؟
أضف إلى ذلك ما عبرت عنه  السيدة قربوج من  استياء من بعض وسائل الإعلام حول تعاملها مع هذه الظاهرة وعدم اح ترام ما ينص عليه الفصل 11 من القانون 58. وه و ما تؤكد ه  جمعية”  أصوات نساء” من خلال دعوتها للمكلفين بالشأن ا لإعلامي على تكثيف البرامج التوعوية الموجهة للنساء، ومجابهة هذه الظاهرة بمقتضيات الفصل 11 من القانون  58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي ينص على أن ” وسائل الاعلام تتولى التوعية بمخاطر العنف ضد المرأة واساليب مناهضته والوقاية منه “…ويرى مركز الكريديف بدوره،  ضرورة تطبيق هذا الفصل خاصة بعد انتشار مشاهد العنف في بعض البرامج التلفزية التي تبث خاصة على وسائل الإعلام  الخاص ،داعيا إلى تحديد مسؤولية الاعلام الخاص والعمومي والصحفيين في بث مشاهد العنف وتكريس صورة نمطية للمرأة.
عنف فترة ما قبل الزواج
أقل من سنتين منذ إنشاء المركز، لترد علي ه 477 قضية وضعت على طاولة هذا الفريق اتخذ في شأنها قرارا في
171حالة إيقاف، وتتعلق أغلب  القضايا بالعنف المادي والمعنوي وخاصة في فترة ما قبل الزواج.
وبينت المحاضر المسجلة في هذا المركز  أيضا، أن هذه الظاهرة تنتشر في صفوف الشابات بين 25 و 40 سنة، يتعامل المركز لحمايتهن مع اخصائيين نفسانيين وعدد من الجمعيات المختصة في مناهضة العنف من  أجل تقديم الدعم المادي والمعنوي ومرافقة الناجية من العنف أثناء مراحل التقاضي بتوفير محامي .

وصحيح أن وزارة الداخلية كانت السباقة في بعث هذه الوحدات المختصة،  وحرصها على  إرسائها تنفيذا للقانون جعل بعض الأمور الترتيبية تتجاوزها ، مما أسقطها في “عدم توفير العدد الكافي من الأعوان في هذه المراكز وخلط بعضهم  بين الجرائم الخاصة بالقانون عدد 58 وبقية الجرائم”،  حسب ما أكده لنا عضو التحالف الوطني الجمعياتي للقضاء على العنف ضد النساء القائم على مناصرة ومتابعة وتنفيذ القرار، عماد الزواري.  لذلك، نجد مثلا ، أن عدد أعوان مركز مناهضة العنف ضد المرأة في بنقردان لا يتجاوز ثلاث في حين أن قرارات الوزارة تشترط عدد 8  أعوان او اكثر عند تأسيس أو بعث الوحدات الأمنية.
وتشهد أغلب المراكز نقصا فادحا في المعدات ووسائل التنفيذ على غرار عدم توفر وسائل النقل، خاصة بداية نشأة هذه الوحدات مما قلص من الخدمات الموجهة للناجيات من العنف . لا يجدنها عند اللجوء إلى  المراكز مما انجر عنه  تراجع عن الإقبال أو  انعدام الثقة منذ اللحظة الأولى في فعالية مثل هكذا آليات  علاوة على عدم توفر الأرضية المناسبة للوحدات المختصة لقيامهم بالمهام المطلوبة.

وأمام تكتم وزارة الداخلية عن تقديم المعطيات والإحصائيات المتعلقة بجرائم العنف ضد المرأة، وتشتت
الإحصائيات في وزارات متعددة كالصحة، والداخلية والمرأة والعدل والشؤون الاجتماعية، علاوة على تلك المتوفرة لدى الجمعيات والسلطات المحلية،  يجعل من الصعوبة بمكان حصر الظاهرة وبالتالي معالجتها المعالجة الأمثل .
ويصبح اليوم تركيز مرصد متابعة العنف ضد المرأة الذي نشر قرار إحداثه بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ 25  فيفري 2020 بأمر حكومي، أحد ملاذات الفاعلين في المجال والمهتمين به في إحصائيات  ومعلومات دقيقة  وشفافة في عدد الضحايا والجرائم المسجلة في حقهن .

بواسطة
فيروز اللافي - تونس
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق