من انواع القلوب في القرآن الكريم

1- القلب السليم
قال تعالى:” وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) الشعراء
غالبا ما تدور علاقاتنا الاجتماعية في هذه الدنيا الزائلة حول المال والبنون ،ففي يوم القيامة لا ينفع مال ولا بنون الا مَن أتى الله بقلب عامر بالايمان طاهر سليم،يوم تُبلى السرائر وتنكشف الحقائق ،فلا أنساب ولا مساعدة بالمال والبنين.

وأخيرا القلب السليم لا يتطبع مع المعصية، لو أن انسانا أذنب ذنبا يختبر قلبه هل استنكر المعصية فإن استنكرها فهذه خطوة في اتجاه القلب السليم، وأما إن مرت مرورا عابرافمن وصية نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر الغفاري: “وإن المنافق ليذنب الذنب فيكون كذباب مر على انفه وطار، وأن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان كجبل يكاد يسقط عليه
2-القلب المنيب
قال تعاللى:” وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ق
وفي حديث النبي- صلى اللّه عليه وسلم-: أَنه كان إذا أَقْبَلَ من سَفَر قال: آيِبُونَ تائِبُون،
لربنا حامِدُونَ، وهو جمع سلامة لآيب.
3- القلب المُخبت هو القلب الخاضع المطمئن الساكن.
وخبَتَ ذكره إذا خَفِيَ؛ قال: ومنه المُخْبِتُ من الناس وأَخْبَتَ إِلى ربه أَي اطْمَأَنَّ إِليه. ورُوِي عن مجاهد في قوله: وبَشِّرِ المُخْبِتينَ؛ قال: المُطْمَئِنِّين، وقيل: هم المُتَواضِعون.

4- القلب الوجِل
قال تعالى:” وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) المؤمنون
الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات”. وقال الحسن: لقد أدركنا أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.
5-القلب التقي
وهو القلب الذي يعظّم شعائر الله تعالى.قال تعالى:” ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الحج
قيل لرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-:” أيُّ الناسِ أفضلُ قال كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ قالوا صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ قال هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسد” صحيح ابن ماجه
سلامةُ القلبِ وصِدقُ اللِّسانِ من أجلِّ الصِّفاتِ التي ينبغي أن يَتحلَّى بها المسلمُ، وهي مِن الصِّفاتِ التي يَتفاضَلُ فيها الناسُ، وهي مِن أعظمِ أسبابِ دخولِ الجَنَّةِ.
6- القلب المهدي
القلب المهدي هو الراضي بقضاء الله تعالى والتسليم بأمره ، قال تعالى:” مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) التغابن

 

قال ابن عباس : بأمر الله ، يعني : عن قدره ومشيئته ، ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره ، فصبر واحتسب ، واستسلم لقضاء الله ، هدى الله قلبه ، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ، ويقينا صادقا ، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه ، أو خيرا منه ويهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه . وهو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم بها ويسترجع ويقول : “إنا لله وإنا إليه راجعون “.
7- القلب المطمئن
قال تعالى:” الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد
أي تسكن وتستأنس بتوحيد الله فتطمئن؛ قال: أي وهم تطمئن قلوبهم على الدوام بذكر الله بألسنتهم؛ قال قتادة: وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: بالقرآن. وقال سفيان بن عيينة: بأمره. مقاتل: بوعده. ابن عباس: بالحلف باسمه، أو تطمئن بذكر فضله وإنعامه؛ كما تَْوجل بذكر عدله وانتقامه وقضائه. وقيل: “يذكر الله” أي يذكرون الله ويتأملون آياته فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة.
قوله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” أي قلوب المؤمنين. قال ابن عباس: هذا في الحلف؛ فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه. وقيل: “بذكر الله” أي بطاعة الله. وقيل: بثواب الله. وقيل: بوعد الله. وقال مجاهد: هم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- .
8- القلب الحيّ
قال تعالى:” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) ق
أي عقل يتدبر به؛ فكنى بالقلب عن العقل لأنه موضعه؛ قال معناه مجاهد وغيره. وقيل: لمن كان له حياة ونفس مميزة، فعبر عن النفس الحية بالقلب؛ لأنه وطنها ومعدن حياتها؛ كما قال امرؤ القيس:
أغرك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري القلب يفعل
9- القلب المريض
قال تعالى:” يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) الأحزاب
الذي اصابه مرض كالشك او النفاق وفيه فجور ومرض في الشهوة المحرمة.
المرض دون القساوة ، والقلب المريض هو المتذبذب بين السلامة والقساوة ، فهو يعلو حينا ويهبط حينا ،” والمرض يدور على أربعة أشياء فساد وضعف ونقصان وظلمة ، ومنه مَرِض الرجل في الأمر إذا ضعف فيه ولم يبالغ ، وعين مريضة النظر أي فاترة ضعيفة ، وريح مريضة إذا هَبَّ هبوبها .

وأمراض القلوب نوعان : أمراض تتعلق بالجوارح وهي الشهوات ، وأخرى تتعلق بالعقول وهي الشبهات ، وقد جمعهما النبي -صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح عن أبي برزة (رضي الله عنه) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : « إنما أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم ، ومضلات الهوى .
10- القلب الأعمى
قال تعالى:” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج
{وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} أي عن درك الحق والاعتبار. وقال قتادة: البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب.
إن البصيرة هي استنارة القلب وإشراق الفؤاد بالارتباط بهذا الدين القيم، وامتلائه بالإيمان بالله ورسوله وتشبعه بالإسلام، وغسله بالقرآن واعتماد الوحي المنزل على سيد الأنام -صلى الله عليه وسلم- البصيرة نور في القلب يهتدي به المرء وهي عين القلب ونوره وبصره وهي فراسة المؤمن، والبصيرة للقلب كالبصر للعين، فالعين التي لا تبصر لا فائدة منها، فكذلك القلب الذي لا بصيرة له لا خير فيه، لا يدل صاحبه على الحق ولا طاقة له على التمييز والتفريق بين ما هو نافع وما هو ضار.
11- القلب اللاهي
قال تعالى:” مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) الأنبياء
هذا القلب غافل عن كتاب الله تعالى مشغول بأباطيل الدنيا وملذاتها وشهواتها لا يعقل ما فيه.
12- القلب الآثم
قال تعالى:” وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) البقرة
قوله تعالى: { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} خصَّ القلب بالذكر إذ الكتم من أفعاله، وإذ هو المضغة التي بصلاحها يصلح الجسد ولا يجوز ان تُكتم شهادة الحق.
فالقلب الآثم هو القلب الذي يرتكب الذنب والمعصية والإثم ، الملازم لاتّباع الهوى وطول الأجل ، المعبّر عنه بالرجس تارةً وبالرجز اُخرى ، الموجب لضيق القلب وختمه ، ورين الصدر وطبعه ، وزيغ الروح وقفله ، لأنّ الذنب حجاب بين الإنسان المبتلى به وبين الحقّ الذي من أظهر مصاديقه القرآن الذي بالحقّ أنزله الله وبالحقّ نزل . والناقص لا يمسّ كرامة الكامل مادام ناقصآ.
13- القلب المتكبّر
قال تعالى:” الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) غافر
هذا القلب مستكبر عن توحيد الله تعالى وطاعته ،جبّار في كثرة ظلمه وعدوانه.
من صفاته حسب ما قاله الله في كتابه
الذين يدفعون الحق بالباطل
ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله
فإن الله يمقت على ذلك أشد المقت
والمؤمنون أيضا يبغضون من تكون هذه صفته
الكِبْر نوعان: باطن وظاهر
فالباطن: خُلُقٌ في نفس الإنسان، والظاهر: أعمال تَصْدر عن الجوارح، وهذه الأعمال الظاهرة هي ثمرات لِمَا في الباطن، فالباطن هو الأصل، والظاهر فرْعٌ منه
ينقسم الكِبْر إلى ثلاثة أقسام:
التكبُّر على الله، التكبُّر على الرُّسل، التكبُّر على الناس من غير المرسلين.
وكان الأولى بالْحُكَّام المتألِّهين، المستعبِدين للرعيَّة، المحتقرين للشعب – أن يَسْمَعوا القرآن وهو يقصُّ ما حَدَث لأمثالهم؛ حتى يعتبروا ويَزدجروا، فقد كان فرعون قمَّة في الطُّغيان في عصْره، وشرَّ مُتَكَبِّرٍ على شعْبه، أوْهَمَ شعْبَه أن كلَّ خيرٍ وفضْل ونعمة، هو مِن بَحْر جُوده وكَرَمه، فقال: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51
14- القلب الغليظ
قال تعالى:” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران
يقول صاحب المنار: “كأنه يقول: إنه كان من أصحابك يا محمد ما كان، كما دلت عليه الآيات وهو مما يؤاخذون عليه فلنت لهم وعاملتهم بالحسنى، وإنما لنت لهم بسبب رحمة عظيمة أنزلها الله على قلبك وخصك بها فعمت الناس فوائدها، وجعل القرآن ممدا لها بما هداك إليه من الآداب العالية والحكم السامية التي هونت عليك المصائب وعلمتك منافعها وحكمها وحسن عواقبها
15- القلب المختوم
قلب لا يسمع الهدى ولا يعقله. قال تعالى:” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية
وقال:” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) البقرة
فالأسباب المؤدية إلى الختم على القلب والطبع عليه هي كل ما لا يرضي الله تعالى من الخطايا والمعاصي.
وباب التوبة مفتوح لكلِّ إنسان مهما بلغ ذنبه واشتدَّ كفره، لأنَّ ذلك مقتضى الامتحان، كما أنَّه من تمام عدل الله. قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر، 53) وتُقبل توبة العبد ما لم يحضره الموت، قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء، 18)
16- القلب القاسي
قلب لا يلين للإيمانولا يؤثر فيه زجر وقد اعرض عن ذكر الله قال تعالى:” فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)المائدة
{ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي صلبة لا تعي خيرا ولا تفعله؛ والقاسية والعاتية بمعنى واحد.
قال تعالى:” لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) الحج
وقال :” أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) الزمر
17- القلب الغافل
قلب غافل عن ذكر الله واتبع هواه وآثره على طاعة الله تعالى.
قال تعالى:” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28 الكهف
أي: كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون بها الإجابة من إتيان المعروف، واجتناب المنكر
18- القلب الأغلف
قلب مغطى لا ينفذ اليه قول رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم-.قال تعالى:” وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) البقرة
وقال:” فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) النساء
و { غُلْفٌ } جمع غلاف؛ أي قلوبنا أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا. وقيل: هو جمع أغلف وهو المغطى بالغلاف؛ أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول. فقلب أغلف، أي مستور عن الفهم والتمييز.
قلب قاسٍ كافر مقفل ليس له نافذة ولا مفتتح لدخوله فهو عديم المواعظ رافض للنصائح.

 

19- القلب الزائغ
وهو القلب المائل عن الحق . قال تعالى:” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران
وقال:” وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) الصف
20- القلب المريب
وهو القلب المليء بالشك والحيرة قال تعالى:” إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) التوبة
وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ؛ أي شكَّت في الدين. {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} أي في شكهم يذهبون ويرجعون.
21- القلب المفرَّق
القلب المشتت الذي فيه ضعف قال تعالى:” لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) الحشر
{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً} أي مجتمعين على أمر ورأي. {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} متفرقة. فأهل الباطل مختلفة آراؤهم، مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق.
22- القلب المحسور عليه
قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) آل عمران
قوله تعالى: {لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} يعني ظنهم وقولهم. واللام متعلقة بقوله “قالوا” أي ليجعل ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا. “حسرة” أي ندامة “في قلوبهم”. والحسرة الاهتمام على فائت لم يقدر بلوغه؛ قال الشاعر:
فواحسرتي لم أقض منها لبانتي ولم أتمتع بالجوار وبالقرب

 

23- القلب المنافق
قال تعالى:” فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) التوبة
قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً} مفعولان أي أعقبهم الله تعالى نفاقا في قلوبهم. وقيل: أي أعقبهم البخل نفاقا؛ ولهذا قال: {بَخِلُوا بِهِ} . {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} في موضع خفض؛ أي يلقون بخلهم، أي جزاء بخلهم؛ كما يقال: أنت تلقي غدا عملك. وقيل: {إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} أي يلقون الله.
قوله تعالى: {نِفَاقاً} النفاق إذا كان في القلب فهو الكفر. فأما إذا كان في الأعمال فهو معصية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا
24- القلب المصروف عن الحق
قال تعالى:” وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127) التوبة
قوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا} أي انصرفوا عن طريق الاهتداء. وذلك أنهم حينما بين لهم كشف أسرارهم والإعلام بمغيبات أمورهم يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة لإيمانهم؛ فهم إذ يصممون على الكفر ويرتبكون فيه كأنهم انصرفوا عن تلك الحال التي كانت مظنة النظر الصحيح والاهتداء، ولم يسمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سماع من يتدبره وينظر في آياته؛ {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]. {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
26- القلب المشمئز
قال تعالى:” وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) الزمر
{ اشْمَأَزَّتْ } قال المبرد: انقبضت. وهو قول ابن عباس ومجاهد. وقال قتادة: نفرت واستكبرت وكفرت وتعصت. وقال المؤرج أنكرت. وأصل الاشمئزاز النفور والازورار.
قال عمرو بن كلثوم:
إذا عض الثقاف بها اشمأزت وولتهم عشوزنة زبونا

 

27- القلب المرعوب
قال تعالى:” سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران
الرُّعب” بضم العين؛ وهما لغتان. والرعب: الخوف؛ يقال: رَعَبْته رُعْبا ورُعُبا، فهو مرعوب. ويجوز أن يكون الرعْب مصدرا، والرُّعُب الاسم. وأصله من الملء؛ يقال سيل راعب يملأ الوادي. ورعبت الحوض ملأته. والمعنى: سنملأ قلوب المشركين خوفا وفزعا.
28- قلب عليه ران
قال تعالى:” كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) المطففين
قال المفسرون: هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب. قال مجاهد: هو الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه، ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه، حتى تغشي الذنوب قلبه. وقال الأموي: قد أران القوم فهم مرينون: إذا هلكت مواشيهم وهزلت. وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم، فلا يستطيعون احتماله.
29- القلب المُحبُّ
فليكن عندك قلب لا يقسو، ومزاج لا يمل، ولمسة لا تجرح.
إنَّها محبَّة الله، وما أدراك ما محبَّة الله؟! إنها “المنزلة التي فيها تنافَس المتنافِسون، وإليها شخص العالمون، وإلى عَلَمها شمَّر السابقون، وعليها تفانَى المحبُّون وبِرَوح نسيمها تروَّح العابدون، فهي قوتُ القلوب وقُرَّة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرمها، فهو في جُملة الأموات، والنُّور الذي مَن فقدَه فهو في بِحار الظُّلمات، والشِّفاءُ الذي مِن عدمه حلَّتْ بقلبه جميع الأسْقام، واللَّذة التي مَن لم يظفرْ بها، فعيشه كلُّه هموم وآلام، تاللهِ لقدْ ذهَب أهلها بشرف الدُّنيا والآخرة؛ إذ لهم مِن معرفة محبوبهم أوفر نصيب .
ألاَ ما أروعَ محبَّة الله! إنها “منهلٌ عذب لا أعذبَ منه على نفْس المحبِّ ولا أشْهَى، وهل أمْتَع لنفس المحبِّ مِن ذِكر مَن يحبُّ، وتَكرار حديثه، والترنُّم بذِكراه.
، إنَّه امتحان يفوز بعدَه المؤمن بهذه الشهادة وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) البقرة قال تعالى:”
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يدعون الله رغبًا ورهبًا، ويعبدون الله في السرَّاء والضرَّاء، فقلوبُهم امتلأتْ بتعظيم الله تعالى وخشيته، وإجلاله وهيبته
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يؤثِرون مرضاةَ الله تعالى على أيِّ هوًى أو رغْبة، ويبذلون في سبيلِ الله مُهجهم وأرواحهم
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يأوون إلى رُكن الله المكين، ويتمسَّكون بحبل الله المتين، ويلوذون بحِمى الله الذي لا يُضام
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله؛ لأنَّهم يتقلَّبون على الجمْر، ويتلذَّذون بالصبر، ولا ترهبهم قوَّة، ولا تأسرهم شهوة، ولا تحكمهم نزْوة، يشتاقون إلى الله ويحبُّون لقاءه، فيحبُّ الله لقاءَهم”
والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله، إنَّها لشهادة أكْرِم بها مِن شهادة! لا أرفع منها ولا أجلَّ، ولا أفضلَ منها ولا أكمل.
من ثمرات المحبة
الرضا بالقضاء
عندما يتعرَّف الواحد منَّا على مدَى حب ربه له، وحرصه عليه، فإنَّ هذا من شأنه أن يدفعَه دومًا للرِّضا بقضائه، كيف لا وقد أيقَن أنَّ ربه لا يُريد له إلاَّ الخير، وأنه ما خَلَقه ليعذبه، بل خلقَه بيده، وكرَّمه على سائرِ خلْقه ليدخلَه الجنة، دار النعيم الأبدي، ومِن ثمَّ فإنَّ كل قضاء يَقضيه له ما هو إلا خُطوة يمهِّد له من خلالها طريقَه إلى تلك الدار.
التلذُّذ بالعبادة وسرعة المبادرة إليها
كلما ازداد حبُّ العبد لربِّه ازدادتْ مبادرته لطاعته واستمتاعه بذِكره، وكان هذا الحبُّ سببًا في استخراجِ معاني الأُنس والشوق إلى محبوبه الأعظم، والتعبير عنها مِن خلال ذِكْره ومناجاته
التضحية مِن أجله والجهاد في سبيله
المحبَّة الصادِقة لله – عزَّ وجلَّ – تدفع صاحبها لبذْلِ كلِّ ما يملكه مِن أجل نيْل رضا محبوبه، وليس ذلك فحسبُ، بل إنَّه يفْعَل ذلك بسعادة، وكل ما يتمنَّاه أن تحوزَ هذه التضحية على رِضاه
الحياء من الله
فالمحبُّ الصادِق في حبِّه لله – عزَّ وجلَّ – يستحي أن يراه حبيبُه في وضْع شائن، أو مكان لا يحب أن يَراه فيه، فإذا ما وقَع في معصية أو تقصير سارَع بالاعتذار إليه، واسترضائه بشتَّى الطُّرق، وفي هذا المعنى يقول ابن رجب: “إنَّ محبة الله إذا صدقَتْ أوجبتْ محبة طاعته وامتثالها، وبُغض معصيته واجتنابها، وقد يقَع المحبُّ أحيانًا في تفريط في بعضِ المأمورات، وارْتكاب بعض المحظورات، ثم يرجع إلى نفْسه بالملامة، وينزع عن ذلك ويتداركه بالتوبة”

الغيرة لله
عندما يستقرُّ حبُّ الله في قلب العبد، فإنَّ هذا من شأنه أن يجعله يغار لمولاه وعلى محارمه أن تُنتهك، وحدوده أن تُتجاوز، وأوامره أن تُخالَف.
الغنى بالله
الاستغناء بالله – سبحانه وتعالى – والاكتفاء به فينعكس ذلك على تعامُلات العبد مع الأحداث التي تمرُّ به، فإنِ ادلهمَّتِ الخطوب استشعر معيةَ الله له.قال تعالى:” إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) التوبة
وقال:” إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) طه
وقال:” قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) الشعراء
دعاء القلب الموصول بالله
اللهم إنِّي أسألك حبَّك وحبَّ من يحبك، وحبَّ كل عمل يُقرِّبني إلى حبِّك، اللهم ما رزقتني ممَّا أحب فاجعله لي عونًا على ما تحب، وما زويتَ عني مما أحب فاجعله لي فراغًا فيما تُحب، اللهمَّ اجعلْ حبك إليَّ أحبَّ مِن الماء البارد على الظمأ.

بواسطة
د.خضر موسى محمد حمود - الأردن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق