جماعات التطرف والإرهاب .. ونظرية الاستحلال (2-3)

-استحلال التخريب
– يستدل البعض بما ورد بسورة الكهف حول قصة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام :
” فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ” الكهف 71
” أما السفينة فكانت لمساكين يعملون فى البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ” الكهف 79
فهذا أحد قادة جماعة الإخوان ” المهندس أشرف بدر الدين عضو مجلس الشعب المنحل ” يحرف الكلم ” القرآن الكريم ” عن مواضعه من أجل تبرير عمليات تخريب مصر ؛ فماذا فعل ؟!
يستدل بهذه الواقعة على إباحة وجواز بل وجوب التخريب الذى تقوم به الجماعات الإرهابية ضد الدولة المصرية ومؤسساتها وشعبها , معتبرا مصر هى السفينة والشعب المصرى هو المساكين والملك الغاصب هو الرئيس السيسى !!
ولذلك يجب خرق مصر بكل السبل من حرق وهدم وتخريب حتى لا تطيب للسيسى !!! 1)
الرد :
هذا الكلام يؤكد خطورة ما يفعله التعلق وحب السلطة فى نفوس البشر , يجعلهم يدلسون ويحرفون المقدس ” القرآن الكريم ” من أجل كرسى الحكم , حتى لو كان الوصول لذلك هو اقتراف جميع المحرمات والكبائر من قتل وتمثيل بالجثث وحرق وترويع آمنين ونشر أكاذيب
وشائعات وغير ذلك , فالغاية عندهم تبرر الوسيلة !!!!
أما المعنى الصحيح لواقعة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام فهى كالتالى :
1- أراد الخضر عليه السلام إحداث خرق بالسفينة لا ليغرقها كما ظن سيدنا موسى عليه السلام , للوهلة الأولى , ولكن مجرد عيب صغير لا يضر لتحقيق مكسب أكبر , هو إزهاد الملك الغاصب فى السفينة المعيوبة , لتبقى لأهلها وهى معيوبة خير من فقدها كلية .
2- الخضر فى رأى العلماء المحققين هو نبى موحى إليه يؤكد ذلك قوله تعالى : ” وعلمناه من لدنا علما ” , وما فعله أمر إلهى يؤكد ذلك قوله تعالى ” وما فعلته عن أمرى ”
3- لو أخذنا بتدليس الأخ أشرف بدر الدين , سيخرج علينا من يبيح ويدعو لذبح الآباء لأبنائهم بالرؤيا , مستدلا بما فعله سيدنا إبراهيم عليه السلام ومتناسيا أنه نبى موحى إليه !!
4- هل أشرف بدر الدين أفقه من كبار التابعين والفقهاء المجتهدين , فلم نر واحدا منهم يبيح القتل والحرق والتدمير للمال العام والخاص من أجل “ظلم الحكام واغتصاب السلطة ” أنظر موقف العلماء من الدولة الأموية نموذجا ” وقد حدث من كثير من حكام هذه الأسرة من المظالم ما لا يخطر على بال أحد , من ضرب الكعبة بالمنجنيق واستحلال المدينة المنورة وحرائرها وقتل آل البيت الكرام وإغتصاب السلطة وتوريثها , ورغم ذلك لم يفت عالم معتبر بجواز الخروج المسلح وإباحة العمليات الإرهابية ضد بنى أمية ولكنهم أباحوا فقط , المعارضة بالكلمة وليس بالسلاح .
5- معنى كلام الأخ أشرف بدر الدين , أنه يشبه الإخوان بالخضر عليه السلام , ولذلك يبيح للإخوان خرق سفينة الوطن !!! فهل يا ترى يجوز تشبيه جماعة من الجماعات بأنبياء الله عليهم السلام ؟! وهل عندما خرق سيدنا الخضر السفينة هل استولى عليها بدلا من الملك الغاصب كما يريد الإخوان أم إنه فعل ذلك حتى يتركها لأهلها ؟!
– ويستشهد البعض بقوله تعالى ” ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ” على إباحة تحطيم المجتمع المعادى واستحلال التخريب :
فيرد الشيخ محمد أبو زهرة عليهم قائلا :
” إن النهى عن قطع النخيل والتخريب بشكل عام قد جاء فى وصية أبى بكر الصديق لبعض جنده , وما كان أبو بكر إلا متبعا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وها هى ذى :
إنى موصيك بعشر : لا تقتلن امرأة , ولا صبيا , ولا كبيرا هرما , ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا نخلا ولا تحرقها , ولا تخربن عامرا , ولا تعقرن شاة أو بقرة إلا لمأكلة ولا تجبن ولا تغل ” رواه أحمد
هذه توصية أبى بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولابد أن تكون بهدى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ولذلك ننفى أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد قطع نخيل بنى النضير , فمحال أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أمر فى موضع وأبو بكر ينهى بإطلاق .
ويرى فقيه الشام الإمام الأوزاعى أنه لا يجوز التخريب إلا إذا ألجأت إليه ضرورة حربية , كأن يتحصن المحاربون بحصن ولا يمكن الوصول إليهم إلا بهدمه , أو تكون الأشجار غابة كثيفة قد اتخذوها مستترا يكمنون للمسلمين فيها وينقضون عليهم من مساترها .
واللينة التى وردت فى الآية واضحة فى أن المراد بها الثمر والمعاجم فى اللغة تؤيد ذلك , لأن كلمة لينة جمعها ” لون ” وهو بالاتفاق نوع من ثمر النخل , ولأن الآية تخير بين قطع اللينة وبقائها على أصولها ؛ وذلك يقتضى أن تكون ثمرة قائمة على الأصول تبقى أو تقطع , ولأن الآثار الواردة فى موضع هذه الآية تفيد أن الصحابة ما كانوا يقطعون النخل بل كانوا يقطعون التمر … وبهذا يتبين أن الآية لا تفيد التخريب .
والذى ننتهى إليه بالنسبة لما يكون فى الحرب من هدم وتحريق وتخريب أنه يستفاد من مصادر الشريعة وأعمال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى حروبه :
أولا : أن الأصل هو عدم قطع الشجر وعدم تخريب البناء ؛ لأن الهدف من الحرب ليس إيذاء الرعية ولكن دفع أذى الراعى الظالم وبذلك وردت الآثار .
ثانيا : أنه إذا تبين أن قطع الشجر وهدم البناء توجبه ضرورة حربية لا مناص منها , كأن يستتر العدو به ويتخذه وسيلة لإيذاء جيش المؤمنين فلا مناص من قطع الأشجار وهدم البناء على أنه ضرورة من ضرورات القتال .
ثالثا : أن كلام الفقهاء الذين أجازوا الهدم والقطع يجب أن يخرج على أساس هذه الضرورات , لا على أساس إيذاء العدو والإفساد المجرد , فالعدو ليس هو الشعب إنما العدو هم الذين يحملون السلاح ليقاتلوا 2)
علاوة على أن الآية واردة فى نبى النضير الذين نقضوا العهود والمواثيق وحاربوا المسلمين .. فأين هذا مما تفعله جماعات الإسلام السياسى من تخريب الأوطان والإعتداء على المسالمين !!
3- استحلال السرقة
قام المهندس شوقى الشيخ مؤسس ” تنظيم الشوقيين ” فى منتصف ثمانينات القرن الماضى بتكفير الحاكم والمجتمع, وبدأ بتكفير أهالى قريته الكحك بالفيوم وقام بسرقة السيارات والدراجات النارية ثم اتجه إلى السطو المسلح على محلات الذهب التى يمتلكها المسيحيين .
يقول شافعى مجد ” القيادى السابق بجماعة الشوقيين : ” أما عموم الناس فالتنظيم الذى كنت انتمى إليه كان يرى أن الأصل فيهم الكفر .. وبما أننا كفرنا المجتمع والجماعات فسهل علينا أن نستحل دماءهم وأموالهم .. ولكننا لم نكن نعتبره استحلالا بل الحلال والواجب نفسه وهو بمثابة الفئ الذى أفاءه الله علينا .. كانوا يستحلون التهرب من قطع تذاكر محطات المترو وكانوا يسرقون الفراخ والبيض والأغنام وخاصة فى قرية الكحك معقل الجماعة فى الفيوم ” 3)
وفى اعترافات الإرهابى التائب عادل عبد الباقى والذى أجرى حوارا هاما للتليفزيون المصرى فى 1993م لمدة 105 دقيقة بواسطة الإعلاميين ” محمود سلطان وفاطمة فؤاد ” 4)
وجاء به اعترافات خطيرة منها:
كيف أنه دخل فى نفق التطرف لمدة 17 عاما وأن الكتب التى قادته لهذا النفق هى
” المصطلحات الأربعة للمودودى , ومعالم فى الطريق لسيد قطب , والحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب الحنبلى , والجزء 28 من فتاوى ابن تيمية , وما تلقاه داخل السجن فى 1981م عن المهندس شوقى الشيح عضو الجماعة الإسلامية حينذاك وأمير جماعة الشوقيين فيما بعد ” وأنه استطاع تجنيد 10 آلاف شخص .
وكيف أنه بالمصادفة وقع بيده كتاب ” فقه السيرة ” للشيخ محمد الغزالى وتوقف عند موقف النبى صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش ليلة الهجرة وكيف إنه صلوات الله عليه لم يستحل أموالهم فبدأ يعيد النظر فى فتوى الاستحلال .
ويتحسر أنه لا أحد من الدعاة توقف عند حالة طفل صغير يدخل المسجد ويتربى فيه إلى أن يصبح شيخا أو صانع قنبلة ويترك كلية العلوم ليبيع جوارب فى السوق أو يترك مركز اخصائى جراحة ليصلح ساعات أتحدى أن يفسر الدعاة مثل هذه النماذج !!
واللافت للنظر أن الإرهابى التائب عادل عبد الباقى أشار لكتاب ” الحكم الجديرة بالإذاعة ” لابن رجب الحنبلى على أنه كان من أهم المصادر الفكرية التى نظرت لاستحلال أموال غير المسلمين ؛ فقمت بالإطلاع على الكتاب والذى طبع فى 1983م بمعرفة المكتب الإسلامى وبإشراف زهير الشاويش وبالفعل وجدت به أفكارا فى منتهى الخطورة منها :
– يرى أن محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل بسيوف عديدة : ” سيف على المشركين حتى يسلموا أو يؤسروا , وسيف على المنافقين , وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية , وسيف على أهل البغى , وسيف على أهل الردة , وسيف على المارقين من أهل البدع ” 5)
– يرى أن قوله صلى الله عليه وسلم ” وجعل رزقى تحت ظل رمحى ” إشارة إلى أن الله لم يبعثه بالسعى فى طلب الدنيا … وإنما بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول دعوة التوحيد ويستبيح أموالهم ويسبى نساءهم وذراريهم فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه ؛ فإن المال إنما خلقه الله لبنى آدم ليستعينوا به على طاعته وعبادته , فمن استعان به على الكفر بالله والشرك به سلط الله عليه رسوله وأتباعه فاتنزعوه منه وأعادوه إلى من هو أولى به من أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته … وأن ذلك أحب الأموال إلى الله وأطيب وجوه اكتسابها عنده ” 6)
– يستشهد بأحاديث وآثار ضعيفة السند مثل :
” إن الله بعثنى بالجهاد ولم يبعثنى بالزرع ”
” إن الله بعثنى بالهدى ودين الحق ولم يجعلنى زراعا ولا تاجرا ”
وينسب لعمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال : ” إن الله جعل أرزاق هذه الأمة فى أسنة رماحها وتحت أزجتها فإذا زرعوا كانوا كالناس ” 7)
ونقل عن مجهول قوله “قيل لبعضهم لواتخذت مزرعة للعيال ؟
فقال : والله ما جئنا زراعين ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكل زرعهم ” !!8)
الرد :
– قال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما , ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ” النساء 29 , 30
– وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل من صفات المفلس أنه من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ولكنه قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا . رواه مسلم

الهوامش :
1- قناة مصر الآن , يوم الأربعاء الموافق 28-1-2015م الساعة 11,20 مساء , لقاء مع المذيع محمد ناصر .
2- أنظر كتاب ” خاتم النبيين ” دار الفكر العربى ج 2 ص 661 – 663 وكذلك ” نظرية الحرب فى الإسلام ” للشيخ محمد أبو زهرة ط2 القاهرة 2008م المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ص 65 , 66
3- حاوره الأستاذ ماهر فرغلى .. موقع حفريات بتاريخ 26-11-2017م
4- حوار الإرهابى التائب عادل عبد الباقى مع ” محمود سلطان وفاطمة فؤاد ” عام 1993م نقلا عن مقال الأستاذ عادل حمودة جريدة الفجر بتاريخ 23-12-2016م
5- أنظر الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب الحنبلى طبعة المكتب الإسلامى 1983م ص 9
6- المرجع السابق ص 28 , 30
7- المرجع السابق ص 32
8- المرجع السابق ص 33

بواسطة
محمد حسينى الحلفاوى - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق