سقوط ديستوبيا .. اللقطاء يحكمون الأرض !

الذين يبحثون عن المتعة والتشويق والإثارة والقصص البوليسي والتقنيات الفنية وما إلى ذلك ، حتماً سيجدونها بين طيات هذه الرواية ، والنفس تشتهي الرضا كما يشتهي الرُبَّان للسَفَنِ عند العاصفة الهوجاء ، قال أبو الطيب المتنبي حكيم العرب :
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
ولا أقدر أن أبحث عمَّا يبحث عنه هؤلاء وأولئك ، فأنا أبحث عن وحدة الموضوع – ووجدتها – والهدف من وراءها كما أبحث عن ما يقدمه العمل الفني أيَّاً كان فيما يخدم الأدب والقضايا المعاصرة التي يمكنها عمل التغيير المنشود لما فيه خير العباد والبلاد وههنا أقف عند جملة ما جاء بين طيات الكتاب ، لأنَّ فيه جملته شكك وفي تفاصيله نظر كما سيأتي بيانه لاحقاً إن شاء الله .
أمَّا الشكك ، هو الذي حملني لأجعل دراسة هذه الكلمة ” صاحب الأعراف ” في ذهني وأنا أطالعها ، وأهل الأعراف عند المفسرين لقوله تعالى : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } سورة الأعراف ، وضعوا معنى كلمة الأعراف : الذين تساوت حسناتهم مع سيئاتهم / راجع تأويلنا لهذه الآية من كتابنا : ” الزمن في الإسلام ” فليس هذا المعنى السليم إن شاء الله / فلا هم من أهل الجنة ولا هم من أصحاب النار والله المستعان فكذلك هذه الرواية تقف في المنتصف عند تصنيفها والله أعلم – بالنسبة لي – ، قال نزار قباني :
لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار
وأمَّا النظر ، ما استوقفني من الضدية بعيدة المنال في تسمية الرواية بـــ : ” سقوط ديستوبيا ” / أدب المدينة الفاسدة أو عالم الواقع المرير (بالإنجليزية: Dystopia)‏ هو مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما وهو عكس أدب المدينة الفاضلة، وقد تعني الديستوبيا مجتمع غير فاضل تسوده الفوضىٰ، فهو عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، باختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته يتحوّل فيه المجتمع إلىٰ مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً، ومعنى الديستوبيا باللغة اليونانية المكان الخبيث وهي عكس المكان الفاضل يوتوبيا. / وبين ما جاء بين دفتي الرواية من مغالطات يمكن أن نقول عنها اصطلاحاً : حقائق ، جعلها الكاتب خيالاً وهي يوتوبيا بلا شك / أدب المدينة الفاضلة أو الطُوبَاوِيّة أو المِثَالِيّة أو يوتوبيا ( باليونانية: οὐ-τοπος ) (الطوبى هي مكان خيالي قصي جداً أو المدينة الفاضلة) هي ضرب من التأليف أو الفلسفات التي يتخيل فيها الكاتب الحياة في مجتمع مثالي لا وجود له، مجتمع يزخر بأسباب الراحة والسعادة لكل بني البشر / وهنا قد وقع صاحبنا في الفخ بلا شك ! .
الوقوع في الفخ :
بسبب بسيط جداً هو : التناقض بين الحقيقة التي جعلها الكاتب خيالاً ( يدور موضوع الرواية عن الحكومات الفاسدة والتي يسيطر عليها الشواذ من الناس وهم لقطاء الطريق أو الأيتام أو الأطفال مجهولي الأبوين أو مجهولي السند ” أولاد الحرام الذين ولدوا من سفاح لا من نكاح ” وتربوا في دار للأيتام ونفذوا إلى منافذ مفاصل الدولة بطريق ما ، ويتعرض الكاتب لبعض القضايا مثل : التهميش والفقر والهوية والقتل بلا وازع ضمير والفساد الأخلاقي المجتمعي ( ص : 28 ) ، وتهميش وتقليل دور المرأة في الحياة العامة / ص : 80 / وهلم جرَّا / يشير الكاتب ولا يصرح بأنَّهم هم من حكموا جمهورية السودان في فترة ما واستعاض عنهم بجمهورية ديستوبيا / يعني : أولاد الزنا ) وبين الخيال الذي أضفى عليه الحقيقة – في العمل الروائي : مها وخالد وخليفه أبطال الرواية وشخوصها الذين تدور في فلكهم الفكرة بعامة ، وماما فتحية مربية اليتامى أو بالأصح مربية أولاد الحرام ، يسبغ عليهم المؤلف صبغة الشرمطة ( خصوصاً الجهات الشُرَطِية – شخوص الرواية من الشرطة والأمن والمخابرات العامة – راجع النص جيداً ) والنكاية وكل سيئات الأخلاق مجتمعة فيهم ” الخرَّاصون ” – فمن هم في الحقيقة ومن هم في الخيال شخوص الرواية أو العمود الفقري الذي قامت عليه فكرة تأليف الرواية ؟ إذا قلت بأنَّهم خياليون / ديستوبيا / فأنت لست على صواب فهم حقيقيون بقدر عال ، وإذا قلت بأنَّهم واقعيون / يوتوبيا / فأنت لست على صواب أيضاً فهم خياليون بقدر أدنى ” سقوط النظام الحاكم في السودان في فترة ما قريباً ، هو من كتب في كتابه : تسقط بس ” و ” حرية سلام وعدالة .. الثورة خيار الشعب [ فالجميع خرج متظاهراً ضد الظلم وضد الفساد هتافاتهم تشق السماء : تسقط بس تسقط بس ] ص 53 / وهذه الشعارات استخدمها المتظاهرون في الفترة السابقة عند سقوط نظام الحكم في السودان كما استغلها ووظفها الكاتب في أيِّهما شئت حقيقة أم خيالاً فهذا ما هو موجود في الرواية ولم أجلب التمر إلى هجر ” وإذا قلت بأنَّهما معاً يمثلان الخط المباشر في الرواية بين الحقيقة والخيال فأنت لست على صواب – للأسف العميق العميق العميق – لأنَّك قد أضعت الرواية وضربت بها عرض البحر منفلقاً أو منفتحاً كالطود العظيم أو كيفما شئت ، فليس للرواية ولا للعمل الفني ولا للجهد المبذول فيه أي قيمة تُذكر ! وهنا الوقوع في الفخ الذي لم يتحاشاه الكاتب عند التأليف أو لم ينتبه له لأنَّ عقل القارئ / والكاتب أيضاً لمَّا مضى أو علَّه لم يمض / حين يذهب – أو ربما لم يذهب – حيث ذكرت أنا لن يجد / أو ربما يجد / القيمة التي من أجلها صاغ الكاتب كتابه الذي نيف على الثلاثمائة ورقة من القطع المتوسط فتأمل أصلحك الله ! .
كان من الأجدى أن يحدد تنميط الكتابة والخط الذي يريده قبل الشروع في الكتابة ويعمل جهده لعقل المتلقي البسيط الذي عايش الثورة السودانية / ثورة ديسوبيا بالأرجح / مؤخراً فهو يريد أن يؤرخ لحياة جديدة لدورة زمكانية حديثة بكل المقاييس وليس هناك أنجع من التوثيق بالعمل الأدبي كيفما اتفق لكنه أخلد إلى ذبذبة تفكير القارئ عند تخلصه من براثن الخيال وقناعاته عند الحقيقة وعند الخيال وشعوره أيضاً / أعني بالتنميط واحد من الاثنين : إمَّا حقيقة عند الكتابة والتأليف وإمَّا خيال عند الكتابة والتسجيل / ، فهو قد أضاع القارئ والتوثيق المراد من التأليف وأضاع أيضاً روح النص فلا هو حقيقة تحسب له ولا هو خيال يُحسب عليه ولكن العمل الفني الذي وقع في فخ الفخاخ / فخ الفخاخ : اسم قصيدة للشاعر الجميل : عفيف إسماعيل ، والمسرحي المعروف المقيم ببيرث بغرب استراليا / مكانه الأعراف بلا ريب ، قال تعالى / { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الآية : (102) سورة التوبة .
دعني أسأل سؤالاً مباشراً : ما الضير في الصراحة والوضوح عند كتابة النصوص أو الأعمال الفنية والدخول في مرمى القضية كلية ومباشرة دون احتيال على النص ولا القارئ من قبيل المؤلف خيالاً كان أم واقعاً ؟ في تقديري الشخصي لا يوجد مانع يضر به من الناحية الموضوعية البحتة لمعالجة قضية ما في زمكان ما في أن يكتب ويحلل ويعالج تقنياً ما يريده على أن لا يبارح خط المصداقية ولو كان خيالاً وذلك أفضل من الذبذبة بينهما معاً ، عسى الله أن يغفر لأهل الأعراف ما اقترفوه جناية على الأدب وحق الأديب .

أولاد الحرام يحكمون ديستوبيا :
وسم الكاتب حُكَّام جمهورية ديستوبيا بأنَّهم من عاش في ملجأ للأيتام ووصمهم بالشنار حين جعلهم يحكمون جمهوريته أو قل : مدينته ، فهم نتاج لقاء جنسي غير مشروع ” أولاد الحرام هم أولاد الشراميط بلغة العامة في بلاد عربية كثيرة منها بلاد السودان وبلاد البيضان ، وأخص بالذكر حُكَّام جمهورية ديستوبيا موضوع الدراسة ” فجعلهم على سُدَّة الحكم ( ص : 16 وما بعدها حتى نهاية الفصول الثلاثين !! ) كالوا بالناس نكالاً وعاثوا في الأرض فساداً فهم أسوأ في التقدير من يأجوج ومأجوج حين كانوا وحين يعودون ، فما كان من الشعب إلا أن يقوم بثورة سلمية ضد أولاد الحرام والحرامية [ تعرَّض الكاتب إلى : مشكلة عدم وجود الوقود والغاز والخبز والغلاء الطاحن وضيق الحالة المعيشية للسواد الأعظم من الشعب ] ص 58 ، فيزيلوهم حيالاً إلى مزبلة التاريخ أو يكونوا بلا محاكمة منذ أكثر من سنتين / راجع آخر الرواية / وهم في أضابير السجن ” لاحظ : خاتمة النص بلا خاتمة بعينها مما يفتح مصارع التخيل أو التحقق لمصير أولاد الحرام بين تنفيذ العقوبة عليهم وبين أن يطلق سراحهم فلم يعالج النص بالمستوى الذي تمنيته ” ، فهذه جملة ما كان في مضمون الرواية .
لغة النص :
لغة النص بالعمل الفني عادية وأكثر من عادية ، فلا هي جزلة تنبيك عن مخزون لغوي أو ثقافة متنوعة فترفع من مستوى النص ولا هي لغة ركيكة تخبرك عن جهل الكاتب فيما يكتب فهي لغة بَيْنَ بَيْن يقبلها ويتقبلها العوام والخواص / أنا لم أقبل بالإثنين ، فأفترض علو اللغة وجزالتها وروحها وسموقها لكي يخلد العمل الفني على المدى البعيد ولكي يعالج قضايا مماثلة مشابهة مستقبلاً ، ولأنَّ لغة القرآن الكريم هي أولى ما يساغ سياقاً لتصاغ بها المكتوبات جميعاً ففي حفظها حفظ اللسان العربي من اللحن واللاحنة والجائرة فيُحفظ القرآن الكريم الذي تشرفت العربية بنزوله عليها وبهم معاً نحفظ الإسلام بلا ريب / فيمكن للقارئ تناولها في ساعات ويمكن أن لا يعير لها بالاً كيفما اتفق .
خذ أمثلة على ذلك أيها القارئ النبيه :
• قال في ص 14 : [ صبراً يا خليفة – وصبراً يا خالد ] ، استعمال واو العطف ضعيفة فالأقوى حذفها وجعل العبارة بدونها .
• ثم في ص 1 : [ فقط صدِّق ما ستقرؤه ] فهذا خطأ ! والصواب : ستقرأه ، بالنصب لأنَّها مفعول به منصوب والفاعل ضمير مستتِر تقديره أنت .
• في ص 13 : [ كانت وما زالت ] ضعيفة ، والأقوى : ولا ، لورودها في القرآن بسورة هود : { ولا يزالون مختلفين } .
• ثم في ص 18 : [ وأقبلوا إليها يزفون ] فهذه جيدة للغاية .
• وفي ص 19 ، 41 : [ نحو الطريق الرئيسي ] خطأ ! والصواب : رئيس ، للتعدي لا لللازم .
• وفي ص 20 ، 24 : [ ما لبثت أن رضخت ] خطأ ! والصواب : أذعنت ، لأنَّ الرضوخ يستعمل للكسور العظمية ( يا دكتور ) وليس لغيرها .
• وفي ص 45 : [ رصاصة في رأس كل قتيل ] خطأ ! والصواب : مقتول ، فالقتيل صفة للقتل والمقتول موصوف لصفة الحالة ، فضبط العبارة واجب وهذه من الأخطاء الشائعة .
• في ص 151 : [ وجسد الجنين مدلدل بين فخذيها ] خطأ كريه ! والصواب : متدلياً ، لقوله تعالى : { ثم دنا فتدلى } سورة النجم ، ثم وجب نصبه هكذا : مدلدلاً ، وأيضاً خطأ ! والصواب : متدلياً .
• ثم في ص 186 : [ وتعليلك باطل ] فهو خطأ ! والصواب : باطلاً ، لأنَّها مفعول به منصوب وربما تعرب حالاً جائز .
• وجاء في ص 190 : [ وطلبتُ ملابس نظيفة ] خطأ أيضا ! والصواب : ملابساً ، لأنَّها مفعول به منصوب .
مآخذ على النص :
– ” مها ” من أبطال الرواية – بت حرام وهي ضابط شرطة – قتلها الكاتب ص 20 ، ثم عاد فأحياها / بقدرة قادر / ص 39 ” سبحان الله ” [ الدماء تسيل من بين فخذيها في غزارة مفرقة ساقيها والأرض من حولها ] ص : 20 .
– إيكال عناية دار الأيتام لرجل ستيني لا علاقة له بالدار إلا من باب الجيرة إذ ليس موظفاً في الدار / الحاج حمزة / فلا يستقيم ، والعبارة غير مضبوطة لا خيالاً ولا حقاً ص : 20 ، { خروج رجال الشرطة من عقر الدار بالأطفال – مها ومن معها – ثم حراسة الحاج حمزة الأطفال ، لم ينتبه الكاتب لعنصر الزمن بين دخول رجال الشرطة بالطفلتين وبين عملية الاغتصاب ثم موتها وحياتها من جديد مما يذهل القارئ بالتناقض .
– لم يفرِّق الكاتب بين اجراءات الشرطة وبين اجراءات الأمن قانونياً ، فلكل قانونه الذي يتعامل به مع الناس المخالفين / دائرة التخصص أو خصوصية ونوعية الجرم ومعالجته / [ هناك بلاغ ضدك بممارسة الدعارة في هذا المكان ] ص : 21 ، في حين ” فتحية ” مسؤولة دار الرعاية هي أحق بفتح البلاغ لدى الشرطة لا لدى الأمن لعملية الاغتصاب والاختطاف / راجع فصل : الوقوع في الفخ ، فلا أذكرك به مجدداً أيها القارئ العزيز النبيه ص : 27 لآخر الكتاب / ولا تتوافق أيضاً مع قوله : [ أحاطوا يديها بالأغلال الحديدية ] لأنَّ البلاغ فرق من الإعتقال ومنفذ الاعتقال ” المداهمة ، كما ورد في سياق النص ” لا يخبر المعتقل بالإعتقال – غالباً – أمَّا البلاغ فيأخذ دورة زمانية قانونية لم ترد في النص [ انطلقت بالسيارة إلى رئاسة جهاز الأمن والمخابرات ] بسمة ص : 103 ، في حين المداهمين من رجال الشرطة كانوا ! إلا اللهم من باب الصداقة والعلاقات العامة والله أعلم .
– تحول النص والفقرات من صراع الحرب الأهلية بكانم وهي قرية من صنع الكاتب خيالياً ، / وفي الحقيقة هي مدينة بدولة تشاد كانت امبراطورية سابقة في الوسط الأفريقي من سنة : 700 ق م – 1376 ب م / ص : 30 ، إلى الثورة السودانية وتدوين أحداثها التي ما عادت محل اهتمام لركود الحماس والإنفعال بها وتحويل الهم والإهتمام بالنكسة التي وقع فيها السودان ص : 110 / ديستوبيا / وهي الحكومة الإنتقالية الحالية أو هكذا أفهم أنا النص والله أعلم ! .
– والمقارنة بينهما وبين أولاد الحرام في الواقع ، قال تعالى بسورة النساء : { مذبذبين بين ذلك : لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } صدق الله العظيم ،ثم قفز قفزاً بالزانة بعد أحد عشر سنة ، فلا شيء يجمع بين تسلسل تلك الأحداث أول الفصول أو تطورها إلا في مخيلة الكاتب ولم يقدر على تماسك النص من بعد ، ص : 32 – وهنا يفقد النص براعته التي بدأ بها .
– اغتصاب ” بسمة ” من أبطال الرواية ، للشاب المعتقل والمقيد بالحديد والمضروب على كل جسمه وهو نازف أشد النزيف / أنا كرهت هذا الوصف الساذج الذي لا يحترم العقل أيَّاً كان / والمهزوم نفسياً حتى الثمالة ، وليس العكس وأمام الناس ( خمسة أشخاص وهي السادسة ) فهذه الفقرة غير مضبوطة بالمرة وموغلة في الديستوبيا حتى النخاع / عه عه عه أكاد أقيء / أو لعلَّه أراد : كما تدين تدان ، انتقاماً من المجتمع والشرفاء ( اختارتهم بعناية بأمر لعامر رجل الأمن ) ص 77 ،87 ، 90 .
– كتابة رسالة عاطفية من أربعة صفحات – من ص : 87 ، 90 – حشا بها الفقرة حشواً مخلاً ولم ينتبه لعنصر الزمن والانفعال بالحادثة ، في الإيميل من خالد لمها آن حدوث الجريمة وهما في العربة مغادرين مسرح الجريمة :
[ فتح بريده الإلكتروني.. تردد لحظة، قبل أن يحسم أمره ويبدأ بالكتابة : رسالة إلى من اقتحمت دواخل قلبي بلا استئذان قتلت حارسه ، نفضت الغبار عن جدرانه، وأثارت بجمالها الفتان أعنف الزوابع، فحركت الدماء الراكدة انتعش قلبي، وانطلق يخفق بقوة عاد إلى الحياة بعد أن كان ميتاً بعث إلى دنيا جديدة أم لعلها الجنة؟ ! لا أدري ! ولا يهم ] مما يستوجب المراجعة لضبط العبارة .
– ” خليفة ” هذه الشخصية أحببتها جداً ، تذكرني قصته بقصة الصحافي المصور الطموح في فيلم ” القدير ” City Of God من أبطال الفيلم البرازيلي المشهور ذات الملامح والشبه ، ولا استبعد أن يكون قد نظر المؤلف مقتبساً إلى موضوع الفيلم أو قريباً من ذاك القبيل والله أعلم ! على كل استحسنتهما معاً جداً .
– المشاهد العاطفية والرومانسية مدعَّمة بالمشاهد الجنسية مركبَّة تركيباً ورأيتها ضرورة غير ضرورية في النص لإضفاء الجذب والإثارة للقارئ ليتابع القراءة ، [ أحب العذارى ، أريد عذراء لم تفض بكارتها بعد ] خليفة مع الفتاة العشرينية ص : 171 ، ربما كان .
– تتشابه أكثر فقرات وفصول هذه الرواية مع رواية : سامبا ، ورشة داليانس ، عربة الأموات ، .. إلخ ، وقديماً قيل : الشعراء ينظر بعضهم إلى بعض ” ابن قتيبة ، المجذوب / راجع كتاب الأخير : التماسة عزاء بين الشعراء ، وكتاب الأول : الشعر والشعراء ” فافهم يا هداك الله ، في جواز السرقات الأدبية ، وأحيلها إلى البيئة الواحدة لجملة المؤلفين ممن ذكرتهم في هذا السفر ولتقارب أسنانهم .
– الشرح يعتمد عليه الكاتب غالباً في الوصف الإنشائي أو التخيلي مما رهَّل النص و فقدت معه الشهية في المتابعة الجاذبة وحبذا لو اختصر فخير الكلام ما قلَّ ودل .
– عدم الإنتباه لعنصر الزمن في تسلسل الأحداث مما خلا بالكاتب أن يقفز قفزات بعيدات كانغرات ( الكانغر ) من السقطات العنيفات في النص وأحيلها للإستعجال في إخراج النص للناس أغلب الظن ، قال : [ مرَّ عامان ولم يشك أحد في حادث انقلاب سيارة الشرطة التي كانت تقلهم ] ص 251 ، مقارنة مع : [ فقد كانت في الثانية عشر من عمرها ] ص 249 مع : [ مرَّ عامان ] ذات الصفحة ثم : لا يقبل عملها في الشرطة ولا في غيره ، راجع ص 251 ، ايغال في الخيال واسراف في السذاجة النصية التسلسلية بلا شك ، زملوني زملوني دثروني دثروني أكاد أجن .
– ازدواجية الشخصيات أو توأمتها واجترارها وتكرارها ، أفقد النص الفني حبكته وسلامته الفنية مثل محاولة مفاجأة القارئ بأنَّ مها ما زالت على قيد الحياة حين أوهم القارئ أول الأمر ص : 20 أنَّها ماتت ، ثم بعثها من الموتى ص : 39 ملازماً في الشرطة ، ثم انفصام شخصية مها وبسمة النفسي آخر الكتاب ثم موت خالد بالرصاص في أحداث جنوب الجمهورية وعمره أربعة عشر سنة ثم ظهوره ضابطاً بالشرطة مجدداً ثم بعثه من قبور الذاكرة ص 272 ؟ كيف احتال النص على القارئ أو ليوهمه بالقوة السردية وهو عنها براء براء براء كبراءة الذئب من دم بن يعقوب !! من الأفضل مراجعة هذه الفصول وجعلها قصصاً منفصلة خير من جعلها رواية يشوبها الملل والأخطاء الفكرية في تسلسل النص الفني بلا انتباه .
– اللهم إني أبرأ إليك من الفصل التاسع والعشرين والثلاثين لما فيهما من حماقة لإخراج النص بصورته الفاترة ومصير ماما فتحية المجهول ” مربية أولاد الحرام ” – ص : 286 ، 303 – إخراجاً قميئاً أبعده من الجودة بلا شك ، قال : [ واحد وثلاثون عاماً عاشها في هذه الدنيا ] ص : 309 ، بينما قال في ص 8 : [ سأقتلك يا مها ] ، راجع عنصر الزمن في تسلسل الأحداث ولا تقل لي بالفلاش باك فهذا هراء كهراء كلاب الحي عند عمرو بن كلثوم حين قال :
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـا وَشَـذَّبْنَا قَتَـادَةَ مَنْ يَلِيْنَـا.
– رواية : ” روميو وجولييت ” للكاتب االبريطاني الشهير / وليم شكسبير ( أبريل 1564، ستراتفورد أبون آفون، المملكة المتحدة – 23 أبريل 1616، ستراتفورد أبون آفون، المملكة المتحدة ) ، حاول الكاتب تقليد نهاية روميو وجولييت كشكسبير فلم يفلح ، إذ جعل نهاية ( خضر ومها / بسمة ) قريبة السِّنخ منها فنسخ وسلخ وفسخ وما سنخ .
– آخر الكتاب كتب الكاتب : [ الشكر الجزيل لشهداء ثورة ديسمبر المجيدة ] ص 305 ، ركيكة وفي غير محلها والأجود أن يقول : الرحمة والخلود ، بدلاً عن الشكر الجزيل لأنَّ المقام مقام ترحم لا شكر .
الإبتعاد عن رجز الشيطان :
ورجز الشيطان هنا هو مضمون ديستوبيا بلا شك ، التي حاكا فيها المؤلف رواية : 1984 لجورج أوريل ورواية : كالوكين ، للكاتبة السويدية / كارين بوي ، وعدد من الروايات ذات الصلة قال : [ هل تظن أنَّه من الممكن أن يأتي بديل للفاروق عمر عليه السلام ؟ الشيخ يا غبي ] ص 44 ، فأجيب : يمكن أن يأتي البديل حالة اتجهت الرواية لليوتوبيا من الديستوبيا وتم تشخيص الأحداث بصورة تقنية عالية وتغير خط تنميط فكرة النص إلى غير ما جاء فحالتئذٍ يمكن أن تكون الإجابة إيجابية لا سلبية إن شاء الله .

وداع النص :
بينما كنت أقرأ هذا العمل الفني للمؤلف الدكتور / محمد عبد الله كبلو ، المتخرج في جامعة أم درمان الإسلامية كلية الطب والذي يعمل حالياً بأحد المستشفيات بالسعودية ، وله الشكر حين أمَدَّني بهذا النص الذي بين يدي لجنة التحكيم بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي عله يصيب نُجحاً وفوزاً محققاً فيما أراده ، أشد الشكر وأجزله حين وضع الثقة فيني بالقراءة والإطلاع والمذاكرة والمعالجة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحميد فعسى أن أكون ممن ظنه بالحسنى كما ظننته أنا بالحسنى إن شاء الله ، تذكرت ولم تبارح ذاكرتي قط تلك المتشابهات في الفكرة وأكثر المضامين النصية للكتاب السودانيين وهذه المخطوطة بالتحديد التي بين أيدينا ، قضية الأستاذ الكبير الشاعر المرحوم / الطيب محمد سعيد العباسي ، في الحكم على لقيطة قتلت عشيقها ، فأنا أُهديها له على كل حال ، قال :
نشأت بين أترابها لقيطة تتقاذفها الطرقات وعندما كبرت أصبحت حسناء المدينة, بادلها شاب وسيم الغرام وقضت معه أحلى الليالي فرأت فيه شاطئ الأمان ومع مر الأيام بدأ يشك في سلوكها بلا مبرر وأصبح يشتمها ويعيرها بأنها مومس بغي ويضربها فصممت على الانتقام منه ومن المجتمع في شخصه فطعنته في صدره بخنجر فمات…
وقد عقدت محكمة كبرى بحلفا الجديدة لمحاكمتها وكنت آنذاك رئيسا للمحكمة وبعد أن استمعنا لأقوال الشهود وقفت تلك الحسناء المتهمة وقالت مرافعتها دفاعاً عن نفسها بلغتها العامية فعربت المرافعة شعرا. قالت موجهة كلامها لرئيس المحكمة:-
مَـوْلَايَ سَامَحْنـِيْ وَلَا تَعْتِــــــبْ إذا مَا خَانَنِيْ التَعبيرُ يَا مولايـا
وَاغْفِرْ إِذَا كَدَرْتٌ سَاحَةَ عَدْلِنـَــــا بِمَقَــــالَةٍ مَشْئــومَـــةٍ كَصِبَايـا
مَا ضَرَ عَالَمَنَا إِذا لَمْ تَكُنْ فِيـهِ قَـرَابــينٌ وَفِــــــيهِ ضَحَايــــا
فَتَحْتُ عَينِي في الحَياةِ وَحيـــــدَةً مَا قَادَني في دَرْبهـا أَبَوايـــــا
أنا لَم أَجِد أُمِي تُهَدْهِدُ مَرْقـَـــدِي أو وَالدِي حَمـلَتْ يداهُ هَدَايـــــا
أَنَا مَا لَعِبـــْتُ بِحُضْنِ أُمِي مـــَرةً مَا شَـاهَدَتْ عَينَي أَبي عَينَايـــــا
عِشْتُ السِنِينَ طَويلــــةً وَعَرِيضَـــةً فِي فَيـْـضِ أَحــــْزَانٍ وَنَبْعِ رَزَايَـا
وَشَقِيتُ مِن هِجْـــــرَانِ أَتْرَابــــِي وَمَا أَحْـلَاهُمُو مِـن صِبْيـَةٍ وَصَبَايـا
فِي مَلْجَأٍ قَذِرٍ وَأَدْتُ طُفُولَتـِــــــي وَسَكَبْتُ فِي الطُـــرُقاَتِ نًورَ صِـبَايا
وَخُطَايَ فِي الأَشـْـوَاكِ مَا عَــــادَتْ عَلَى الدَرْبِ العَسِيرِ كَمَا عَهَدْتُ خُطَايا
دُنْيَايَ تُشْقِينِـي وَتُكْثِرُ لَوعَتــــي مـَـاذَا جَنَــيتُ أَنَا عَـلَـى دُنيَايا
حتَى التَقَيتُ بِهِ وَسِيمـَاً ساحــِراً فَجَعَلتُهُ دُونَ الذِئابِ حِمـَـــايــا
قَدْ كُنتُ أَهـْوَاهُ وَتَهوَى عَيـــــنُهُ عَيني وَتَعْشَـقُ ثَغرُهُ شَفَتَايــــــا
هَذَا مُنَى قَلْبـِـــي وَ كُنْتُ غَـرِيرَةً إِنَ الأَمانِي بَعضُهُــن مَنَــــايــا
بَعْـضُ الرِجَالِ وَكَان مِنْهُم سَيِـــدِي تَخِــذَالنِسـَاءَ مَوائِداً وَسَبَأيـــا
قَد كان يَأْتِينِي كَوَحْشٍ جَائِــــــعٍ وَيَنالُ مِنِي الشَيءَ دُونَ رِضَايــــا
وَأنا عَلى فَمهِ بَغـيٌ مومِـــــــسٌ وَأنا بِنَاظِـــرِهِ نِتاجُ خَطَايــــا
كَلِمَــــاتُه ظَلتْ سَعِيـراً فِي دَمـي نَظَـراته أَضْحَتْ مُدَىً وَشَظايــــــا
قَد كَانَ يُسقِيـنِي الهَـــوَانَ وهذه صَفَـعَاتُهُ شَهِـدتْ بِها خَـدَّايـــــا
حَتى إِذا حَانَ القَضَـــاءُ وَلم يَعُد لِلصَـبرِ يَامـولاي أَيُ بَقايــــــا
أَغْمَدتُ خِنجَرهُ بِصَدْرٍ طَالَمـــــــا سَكرَتْ لَضَـمةِ زَندِه نَهْدَايـــــــا
مَـولَايَ سَامِحني وَلَا تَعْتَــــــبْ إذا ما خانَني التَعبيرُ يا مولايا
واغفر إذا كَدَرْتُ سَاحة عَدْلِنــــا بِمـقَالةٍ مَشْـــؤُومةٍ كَصـبَايــــا
هذِي هِيَ الأَقْدَارُ هَل لِي حِيلَــــةٌ إِن طـاوَعـتْ أَقدَارَهُنَ يَدَايـــــا
أَنا لَـسْتُ مُذنِبَةً وَلَستُ بَريئَـــةً فَاحْكُم وَنَفِذْ مَا تـرَى مَولَايـــــا

أجدد شكري للدكتور المؤلف لإتاحته لي شرف التعليق على هذه الكلمة الجيدة بلا شك رغم المآخذ عليها ، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين .

بواسطة
بدر الدين العتاق - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق