كازاخستان .. بلاد الثقافة والسياحة والإقتصاد

عندما يتناول الكاتب موضوعا، فمن أولويات الكتابة عنه، توافر عوامل الإستعداد والقناعة والتأثر، والرغبة في متابعة حيثيات الموضوع بأدق تفاصيله، والكتابة هي أفكار تعبر عن اشكاليات وتجارب، سواء كانت لدول أو شخصيات مؤثرة أو جغرافية متنوعة، ومؤثرة من حيث البعد الاستراتيجي، أو ذات عوامل طبيعية بدلالات حضارية، ومن طبيعة توجهاتي الفكرية، غالبا ما أرصد تجارب الدول ونوعية شعوبها، وأساليب وطرق التنمية والنهوض فيها، وبالعادة تأتي التجارب الناجحة انعكاس حقيقي لنوعية الشعوب الحية التواقة للنهوض والتطور، وبناء الانسان وإدامة الطبيعة بالرعاية، والتي تمتد جذورها لأرث حضاري عريق، يشكل القاعدة الصلبة التي تنطلق منها خطوة النجاح.

ففي هذه المقالة تناولت بلد من بلدان آسيا الوسطى، تتجاور مع بلدان أوزبكستان وتركمانستان وطاجكستان وقيرغيزستان، وهذه الدولة انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق في العام 1991 مع 14 دولة، وحيث ان الانفصال لم يكن بالحدث البسيط على واقع بناء دولة كازاخستان من حيث الاستقلال والتعايش كدولة بسيادة، إذ واجهت مختلف الصعوبات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، إلا أن سنوات ليست طويلة مضت على تجربتها حتى تظهر للعالم بواقع دولة تتمتع بالتنمية والبناء في مختلف الصعد والاستقرار الاجتماعي والنهوض السياحي والاقتصادي، حتى أصبحت مثار اهتمام الدول والشعوب والمتابعين لحركة نهضتها، فكان البعد الوطني والانتماء للشعب ضمن جغرافيته، والإصرار على مواصلة الابداع هو السمة المميزة، ولكن ما بدد مبررات تساؤلات عدة ، أن هذا الشعب الكازاخستاني، يتسم بتجربة انسانية متجذرة في الاصالة والابداع والوعي الفكري والتراث الثر، الامر الذي جعله يحافظ على هويته، على الرغم من الاندماج بجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق لعقود طويلة…. فالتجربة نوعية والنموذج يستحق أن يحتذى به، وان يتحدث عنه كل زائر لهذا البلد الجميل بطبيعته، والأصيل بقيم شعبه وامتداده الحضاري. وفضلا عن المقومات البشرية والثقافية العريقة، تتمتع كازاخستان بمقومات طبيعية كبيرة تمنحها القدرة على التطور والعطاء، وتسجيل نموذج دولة بواقع عصري يتصل ببعد تاريخي مجيد حافل بالعطاء الانساني، ومن ذلك فهذه الدولة تعد من أكبر دول العالم في امتلاك مخزون احتياطي من الغاز الطبيعي، ضمن موقعها في منطقة وسط آسيا “القوقاز” الغنية بهذه الموارد، والتي يقدر نسبة الاحتياطي من الغاز الطبيعي فيها حوالي 27% من نسبة الاحتياطي في العالم.

أن لهذا الدولة المتسامحة بشعبها وعلاقاتها الدولية، تجربة رائعة في ترسيخ فكرة التعايش السلمي، ومحاربة العنف والتطرف الديني، فقد حافظت على هذا الحال من الاستقرار، بخلاف الأوضاع التي تشهدها مختلف المجتمعات في بلدان العالم، والملاحظ ان الآلاف من المساجد والكنائس والمعابد تصطف جنبا إلى جنب، بفضل اتجاه الدولة الاعتدالي بنشر فكرة المصلحة العامة، واحترام الخصوصيات، وبفضل هذه الثقافة لم يعد للإرهاب تواجد في ربوعها. ومن صفات الشعب الكازاخستاني انه مسالم يستنبط خيار الوسطية في التعامل مع الثقافات الدينية المتعددة عنده، والتي تزيد عن 140 قومية مختلفة على أراضيها. ودفعت حالة الاستقرار المجتمعي، الى البحث عن أسلوب تعايش مع البلدان والشعوب الأخرى، فاتجه شعبها الى السفر، وأيضا الاهتمام بالأماكن السياحية، ولفت السياح لزيارة بلدهم، ما يجعل بلد، واعد في المشهد السياحي كمصدر للاقتصاد القومي الى جانب موارد عدة ومنها الزراعة والغاز والصناعات الحرفية.

كازاخستان، الدولة التي تقع في أوراسيا (بين أوروبا وآسيا) وأغلب الأجزاء الغربية منها تقع في أوروبا، صنفت بالدولة التنموية، وتنتهج خططا استراتيجية من أجل بلوغ مراحل التطور والنهوض في مجالات الحياة كافة، والذي يؤهلها لهذا المنزلة، انها تحتل المنزلة التاسعة ضمن أكبر دولة بالعالم من حيث المساحة، وتبلغ حوالي (2,724,900) كيلومتر مربع، وتصدر لأكثر من 70 دولة في أوروبا وأفريقيا وآسيا، ويبلغ إنتاجها من محصول القمح حوالى 15 مليون طن سنويًا، لتتبوأ المراتب الأولى بين الدول المنتجة للمحصول عالميا.

وفضلا عن هذا كله، فقطاع السياحة يعد مرفقا حيويا يقطع باستمرار أشواطا ملحوظة من التطور والانتشار، تبعا لخصوصية طبيعتها الجميلة الخلابة الجاذبة للسياح، فالجغرافية ترسم خارطة بلد متنوع، تتشكل من جبال سيما العاصمة السابقة ” الماتي” وأجواء ينثر الغيم على سمائها في غالب أوقات النهار، والأماكن التراثية والدينية لمختلف الأديان والقوميات والأعراق، وكذلك متحف الدولة المركزي لجمهورية كازاخستان، بكونه واحدا من أبرز المعالم الإنسانية بالعالم.

دولة تسابق الزمن، ولا تريد أن تترك وقتا يذهب هدرا من دون انجاز، دولة لديها طموح يشابه الطموح الذي سارت عليه الصين وماليزيا، التي نهضت من لا شيء لتكون كل شيء مع الفارق، ان كازاخستان تمتلك عوامل التطور والنهوض والثقافة والمعرفة والتجارة والموارد الاقتصادية والشعب الحيوي، لذا فالتركيز في جوهره يدور على الثقافة والفكر الإنساني، فأغلب مدنها مليئة بالمتاحف الغنية بالتراث المحلي والعالمي، ما يعطينا نتيجة ان المجتمع الكازاخستاني، حيوي ومتطلع ومتسامح، وله امتدادات عريقة مع شعوب العالم الحي. وفي منظور البلدان العربية والإسلامية، فان لكازاخستان أسم محفوظ في بطون التأريخ وصفحاته مقروءة بشغف، كونه ينسجم معها على مسار نقاط الالتقاء في الثقافات والدين والجغرافية المتشابهة، ووفق المعطيات فان المرحلة المقبلة، ستشهد مزيدا من التقارب ضمن روابط جديدة سوف تتفاعل بها دولة كازاخستان مع بلدان عربية وإسلامية، من أبرزها السياحة والاقتصاد والتبادل الثقافي.

بواسطة
فاضل حسين البدراني- العراق
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق