ابتسامة من الزمن الجميل

الحزن يعم معظم مناحى حياتنا المعاصرة جراء جائحة “كورونا”، التى شيعت الكثيرين الى مثواهم الاخير، وقلما تجد حديثا يخلو من آثار تلك الجائحة وتوابعها، لذا هربت بذاكرتى الى عالم البسمة ايام فن الزمن الجميل، الذى كنت ومازلت من عشاقه، لعلى أجد معكم مُتنفساً بعيدا عن رائحة تلك الجائحة.

بحثت بداخلى عن أجمل بسمة عالقة فى ذهنى، فلم أجد أجمل من تلك الاحداث التى قدمها عمالقة الفن فى الزمن الجميل فى مسرحية “السكرتير الفنى”، التى أخرجها الفنان عبدالمنعم مدبولى وشارك فيها الفنانين “فؤاد المهندس” و “عبدالوارث عسر”، وعلى الرغم أننى لست بصدد التأريخ لهذا العمل الكوميدى، إلا أنه لفت انتباهى أن تلك المسرحية التى انتجت عام (1960) قدم فيها الفنان عبدالمنعم مدبولى فنانان ضمن اكتشافاته الفنية من الفنانين الجدد وقتذاك وهما “عادل امام” و “شويكار”.

تلك المسرحية فى رأيى المتواضع هى “لقاء العمالقة” بحق، فمن كان يتصور أن يؤدى أحد كبار فنانى الدراما المعروفين مثل الفنان “عبدالوارث عسر” دورا كوميديا وينجح فيه الى هذا الحد ؟؟، وما هو سر النجاح الطويل لتلك المسرحية والعديد من الاعمال الفنية القديمة ؟؟، اعتقد على سبيل المثال لا الحصر، أن سر نجاج تلك المسرحية طوال تلك السنوات، يكمُنُ فى أن الفنانين قدموا شخصيات تشبه شخصياتهم الحقيقية بالفعل بعيداً عن الشهرة والفن.

فمثلا الفنان “عبدالوارث عسر” هو انسان بسيط متدين بطبيعته، عاشق لللغة العربية، لذلك كانت شخصية الشيخ “خميس” مدرس التربية الدينية بالمدرسة، اقرب ما تكون الى شخصيته الحقيقية فكان اداؤه لها طبيعيا وسهلا دونما تكلف، مع قدرته على القاء وادراج بعض الكلمات والاقوال الغير دارجة باللغة العربية الفصحى، وتطويعها ببراعة لتكون ضمن مجرى الاحداث.

بينما قدم ببراعة الفنان فؤاد المهندس الشخصية الرئيسية فى المسرحية، وهى شخصية” الاستاذ ياقوت “، المدرس الجاد الملتزم بالمبادئ والقيم لا يحيد عنها برغم معاناته شظف العيش، وسر براعته فى تجسيد تلك الشخصية أنها قريبة الى حد بعيد من شخصيتة الحقيقية، التى تتميز بالجدية والانضباط والالتزام فى كل شئ على المسرح، حتى انه أُطلق عليه لقب الاستاذ، فهو القدوة والمعلم، لاجيال عدة من فنانى الاجيال التالية له.

اما العملاق عبدالمنعم مدبولى، فهو “كوميديان شامل” اذا جاز لى الوصف، مارس كل فنون المجال الكوميدى من الكتابة والاخراج والتمثيل، فى رأيى المتواضع هو بحق “ناظر مدرسة الكوميديا المصرية”، بقدراته الهائلة على الاداء، وتاريخه الطويل الذى قارب الخمسين عاما فى مجال الكوميديا.

من اجمل مشاهد تلك المسرحية هو ما كان بين المدرس “فؤاد المهندس” وبائع السمك “جمال اسماعيل”، حين تعجب بائع السمك كيف تكون درجه ولده فى امتحان اللغة العربية “صفر واحد” ؟؟؟ وتساءل لما لا تكون “صفرين”.

ياسادة ، انها كوميديا الزمن الجميل ذات الداء الراقى، بعيداً عن الإسفاف والتهريج، والإفيهات المتعمدة، والكلمات الخارجة، والارتجال خارج النص لمجرد استجداء اعجاب الجمهور.

بواسطة
أيمن سلامه - مصر
المصدر
مقال الرأي يُنشر في الجريدة ويعكس في الأساس رأي الكاتب حول الموضوع الذي كتبه ولا يعبر بالضرورة عن صوت المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق